أثار الإعلان الذي أصدره القضاء الفرنسي بأن محاكمة الرئيس السابق جاك شيراك، بتهمة «اختلاس أموال عامة» في قضية وظائف وهمية عندما كان رئيسا لبلدية باريس، ستجري في فبراير المقبل، دهشة الكثيرين من معجبي شيراك الذي يصفه الفرنسيون بأنه «آن بون جار، أي رجل جيد». وكان تاريخ المحاكمة حدد أساسا في الثامن من نوفمبر 2010، غير أن محامي شيراك طلب تأجيلها في انتظار تطورات تحقيق ثان يجري بحق موكلهم. وقد مكنته ابتسامته المشرقة وحيويته الهائلة وعشقه لمصارعي السومو من حيازة شعبية مستمرة. ومن الألقاب التي تطلق عليه «حرباء بونابارت» نسبة إلى الزعيم الفرنسي الشهير نابوليون بونابارت. أحيل شيراك، 78 عاما، للمثول أمام محكمة باريس، في سابقة تعد الأولى من نوعها لرئيس فرنسي. وبعدما استفاد من حصانة قضائية خلال توليه منصب الرئيس في ولايتين متتاليتين مدتهما 12 عاما، وجهت إليه في 21 نوفمبر 2007 تهمة «اختلاس أموال عامة» في قضية وظائف وهمية ببلدية العاصمة التي دفعت رواتبها عندما كان شيراك عمدتها بين عامي 1977 و 1995. ويشير الاتهام إلى أن هذه الوظائف خصصت لأعضاء في حزب التجمع من أجل الجمهورية الذي كان يترأسه شيراك في تلك الفترة. ومن بين المستفيدين المفترضين من هذه الوظائف محافظ سابق يشتبه بأنه استفاد من مهنة سائق كانت بلدية باريس تدفع راتبه. وهذا هو العقد الوحيد الذي وقعه شيراك بخط يده قبل أن يعلن تحمله مسؤولية هذه الوظائف، مؤكدا أنها كانت ضرورية، ونافيا أي اختلاس للأموال العامة. وخلال 18 عاما، كانت بلدية باريس التي تحظى بميزانية ضخمة تعد بالمليارات، البقرة الحلوب للزعيم الديجولي الذي غرف من معينها لتمويل حملاته الانتخابية واستخدم إدارتها لإسداء الخدمات لأصدقائه السياسيين. ودفع مساعدوه المقربون الثمن وأشهرهم ألان جوبيه الذي حكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ في تهمة شبيهة بالتهمة التي يلاحق شيراك بشأنها، وهي اختلاس أموال عامة عن طريق توظيف أشخاص في إطار البلدية، بينما هم في الواقع يعملون إما للحزب الديجولي أو يسدون خدماتهم لشخصيات قريبة من شيراك. وأوضح مقربون من الرئيس السابق « 1995 - 2007»، أنه «أخذ علما بقرار القضاء». وأكدوا أنه «هادئ ومصمم على أن يثبت أمام المحكمة أن أيا من تلك الوظائف التي لا تزال موضع سجال، لم تكن وهمية». غير أن الرجل الأكثر شعبية في فرنسا، سيفقد في هذه الفضيحة كثيرا من الألق الذي جمعه خلال ترؤسه البلاد. وهكذا يجد الرئيس السابق نفسه في وضع لا يحسد عليه، إذ إنه يواجه عقوبة يمكن أن تصل إلى السجن لسنوات وربما التجريد من حقوقه المدنية. ولن يمثل شيراك وحده بل بمعية كثيرين، منهم مديران لمكتبه في بلدية باريس، والنائب جان ديجول حفيد الجنرال ديجول، وشقيق رئيس المجلس الدستوري جان لوي دوبريه، وآخرون. ولم تلق فكرة إحالة رئيس سابق إلى المحكمة، أي تأييد في أوساط الطبقة السياسية بكل فئاتها: «نأسف لهذه النهاية. إنها اختبار مؤلم لشيراك الذي يحبه الفرنسيون كثيرا». وتفرغ شيراك الآن للعمل الإنساني الخيري من خلال مؤسسة تحمل اسمه وتعنى بالتنمية المستدامة والحوار بين الثقافات ومساعدة البلدان الفقيرة في مجالات حيوية لديها علاقة بالتصدي للجوع والحفاظ على الثروات المائية وتوفيرها لسكان الريف في القارة الإفريقية بشكل خاص. وينتظر أن يحتوي الجزء الثاني من مذكراته جانبا من هذه الأزمة بعد أن احتوى الجزء الأول وعنوانه «كل خطوة ينبغي أن تكون هدفا» تاريخه السياسي وتقويم علاقاته مع شخصيات محلية كثيرة احتك بها قبل وصوله إلى قصر الإليزيه ششش