نشرت إحدى الصحف المحلية، الأسبوع الماضي، وثائق مالية توضح مبالغ نقدية وهدايا عينية تحصل عليها أطباء وصيادلة من شركات إنتاج أدوية، نظير صرفهم وصفات دواء تحتوي على أدوية تلك الشركات، هذه الوثائق يجب ألا تهز الثقة بشكل عام في العاملين في القطاع الطبي، خاصة الأطباء والصيادلة، فهناك الكثير ممن يحتفظون بشرف المهنة، ويقدمون مصلحة المريض على ما تعرضه عليهم تلك الشركات، لكن ذلك لا يعني وقوف الجهات الرقابية في البلاد موقف المتفرج. هذه الوثائق التي نشرت كان رد وزارة الصحة عليها أن هناك لجنة للمخالفات، وهو رد لا يرقى إلى مستوى المخالفة، كما أن الصحة تقع صلاحياتها على الممارسين للمهن الطبية، أي الأطباء والصيادلة، فيما لا تطال يدها الشركات المنتجة للأدوية التي هي المسؤولة عن هذه الرشاوى التي تعرض على مزاولي الأعمال الطبية. رشاوى شركات الأدوية تحتاج إلى وقفة صارمة من الجهات المسؤولة عن الرقابة، ليس لأنها تهدد حياة المرضى، فصناعة الدواء في البلاد تخضع لمعايير تضمن جودتها، إضافة إلى أن الشركات المنتجة بحكم المنافسة المحلية ومنافسة الشركات الأجنبية، تسعى إلى تطوير منتجاتها وتقديم الأفضل. لكن التساهل مع هذه الرشاوى له العديد من السلبيات على المدى القريب والمدى البعيد، فعلى القريب تتقلص مساحة المفاضلة بين الأدوية من قبل المريض الذي تتفاوت قدراته المالية، وقد يتحمل كلفة مالية مضافة ليس لها مبرر أو فائدة طبية، وهناك التأثير على قرار الطبيب الذي سيفضل دواء الشركة التي تعطيه مالا على دواء شركة أخرى، رغم أن الدواء الثاني قد يكون الأنسب للمريض من حيث الحاجة. أما على المدى البعيد، فإن هذه الرشاوى ستؤدي إلى اختلال معايير المنافسة بين الشركات المنتجة للأدوية، الأمر الذي سيؤثر على أعمال بعض الشركات التي قد تنسحب، ما يجعل السوق يتجه نحو الاحتكار الذي يقود إلى ارتفاع الأسعار على المستهلك، إلى جانب انخفاض الجودة في الأدوية بسبب انتفاء المنافسة، وهذا هو الخطر المستقبلي على الصحة العامة في البلاد.