شاعر غنائي من الطراز الأول، نبعت أشعاره من حائل، وتغنى بها رواد الأغنية في كل الجهات، أسهم في الصحافة الشعرية الشعبية إسهاما فعالا من خلال مجلة حائل وملحق «شبة الشعر»، حيث اجتمع للمرة الأولى يوسف الصايغ وأمل دنقل وبدر السياب مع شبّة من الشعراء الحائليين، ثم صب ريع علاقاته كلها في مهرجان حائل السياحي الأول، الذي لا يزال في ذاكرة المهتمين والمؤرخين للحركة الشعرية الاجتماعية، هذا هو الشاعر عثمان المجراد، على أبواب الخمسين يبوح بما يفكر فيه: بعد هذه الأعوام الممتدة منذ الثمانينيات؟ كيف تنظر لواقع الشعر المحلي؟ وضع الشعر العامي المحلي والخليجي السائد قد تحول أغلبه إلى ما يشبه المعاريض، والمؤسف أن ذلك يحصل حتى من قبل الذين كنا نعتقد أنهم سيضيفون للشعر، أتمنى أن يناضل الجميع من أجل ألا يستمر مسلسل التشويه لهذا الفن الإبداعي بفعل الذين اتخذوه وسيلة لتحقيق أمنياتهم الدنيئة، وتحسين مستواهم المعيشي على مسامع كل من تمتلئ جيوبه وينتفخ غباء وسطحية، وهو يعتقد أن ما يقال حوله شعر! بغض النظر عن التفاصيل والمصالح الخفية، ما موقفك من الأسواق الشعرية الحديثة ك«شاعر المليون» فيما يتعلق بمصلحة الشعر المحلي؟ أولا أرفض هذا الاهتمام الكبير اللافت بالشعر العامي في الوقت الذي تحارب فيه جميع التجارب الإبداعية الحديثة التي تساهم في تنوير العقل، لا في تغييب الوعي! في الوقت نفسه أنا لست منفصلا عن مجتمعي، وأعي وأسمع اهتمام الناس ببرنامج شاعر المليون مثلا، ولكنني أتمنى أن يكون نافذة للتحديث، وأن يساهم فعلا في تثقيف المتابعين والمشاركين، وأول الخطوات الضرورية منح الفرصة للكوادر التي يزخر بها الخليج كله، من خلال تدوير لجنة التحكيم، وجعلها بالتناوب في كل موسم، بحيث تعطى الفرص للمؤهلين من النقاد، كذلك أتمنى السماح للتجارب الشعرية الحديثة بالتواجد بعيدا عن تكثيف قصائد المدح والفخر والغزل التافه وما إلى ذلك. تراجع تعاونك مع المطربين منذ أعوام؟ هل غاب الفنانون المستحقون؟ أم تسرب الإحباط إلى قلب الشاعر؟ كلها مجتمعة! عني شخصيا لا أجد فنانا حقيقيا يعوضنا بعض الشيء عن غياب رواد الفن والطرب الأصيل أمثال صوت الأرض طلال مداح، وهذا وحده لا يتكرر، وكذلك فوزي محسون، وعبدالله محمد، وإن بقي أبو بكر، ولكنه قليل الإنتاج لظروف لا تخفى، كذلك الفن الشعبي في نجد بعد وفاة سلامة العبدالله، وحمد الطيار، وفهد بن سعيد، وابتعاد آخرين، وإن كنت أتلقى دعوات من بعض الشباب الذين أشكر ثقتهم وتقديرهم لتجربتي التي بدأت مبكرة، وما يؤلمني بشدة هو أن هناك من أساء للشعر الغنائي وللشعراء، من أولئك الذين يدفعون للمطرب ليقوم بغناء ما يكتبون! ما مدى اهتمامك بتجارب الشعر المكتوب بالعامية عربيا؟ أعشق التجارب الشعرية العامية العربية أكثر من اهتمامي بالشعر الشعبي المحلي أو الخليجي، وخلال التجربة الجميلة التي خضتها في الإشراف على ملحق «شبّة الشعر» بمجلة حائل تلك المطبوعة التي اجتمع فيها جارالله الحميد، وفهد السلمان، ومبارك الرباح، وسعود الجراد، وصالح الفهيد، وسعود الطرجم، وفارس الهمزاني وآخرون، اجتهدت لتغيير الصورة التقليدية للصفحات الشعبية، فكنت تجد أسماء مبدعة بالعامية والفصحى، ومنهم: فواز حجو، ويوسف الصايغ، وأحمد مدن، وسالم جبران، وأمل دنقل، وأحمد فؤاد نجم، وصلاح جاهين، وبدر السياب، ونزار قباني، ونازك الملائكة، ولسان الدين الخطيب، حتى بعض قصائد بول ايلوار هذا الذي قال: «يجب على الشاعر أن يكون أنفع مواطن في محيطه». إلا أن حائل غير موفقة كما يبدو في الأشياء الجميلة، فتم إيقاف المجلة حينها وتشتت الأصدقاء. تجمعك علاقة مع الشاعر الراحل أمل دنقل، كيف تجاوب العامي والفصيح مع بعضهما؟ العلاقة كانت ثلاثية بين شقيقي الأكبر الشاعر علي، وجارالله الحميد، والشاعر أمل دنقل. وكنت أتابع بشغف ما ينتجه كل واحد منهم عن بعد بحرص شديد، فأنا أحبهم وأشعر بأنني معهم في كثير من الأوقات، وأمل صديق كريم له مواقف إنسانية لا تنسى، وقد أصيب المبدعون بحزن كبير عندما رحل. لا تزال أمسيات مهرجان حائل الأول التي أشرفت عليها مشهودة في الذاكرة؟ ما عوائق تكرار التجربة؟ كثّر الله خيرك أنك ما زلت تذكر ذلك المهرجان الذي امتد لثلاثة شهور متتالية، فهناك من لا يطيق ذكره، ويحاول تجاهله دونما سبب، رغم أنه أول مهرجان سياحي يقام في حائل، وشارك فيه نجوم الشعر والرياضة أمثال الأمير المرحوم طلال الرشيد، والأمير المرحوم عبدالرحمن بن سعود، والشاعر البحريني عبدالرحمن رفيع، ونجوم آخرون، وكذلك للمرة الأولى على مستوى الوطن تشارك فيه المرأة المواطنة والخليجية، مثل الشاعرة الكويتية مليحة الفودري، والممثلة انتصار الشراح، والكاتبة فوزية البكر وغيرهن، وكان كل ذلك الجهد مجانيا ولم أتلق الشكر إلا من الأمير مقرن أمير حائل آنذاك، ولكن ما يسرني ويعزيني أن وسائل الإعلام الرسمية تابعت باهتمام غير مسبوق فعاليات المهرجان، وترددت أحداثه في نشرات الأخبار، وحظي بتغطية إعلامية فعالة، وذلك حدث قبل نحو 12 عاما، عندما كانت القدرات الإعلامية لا تزال ضعيفة، ولكن رغم ذلك فإن الإحباط تسرب إلي، وهو ما منعني من الموافقة على الإشراف على مهرجانات تالية، حدث ذلك رغم اهتمام الصديق خالد السيف رئيس الغرفة التجارية والصديق مشاري المشاري راعي المهرجانات الحائلية. ألا تفكر في إصدار ديوان صوتي؟ وهل تتفق مع القول بأن الشعر يجب أن يُسمع لا أن يُقرأ؟ اسمح لي يا صديقي أن أشكر بعمق أستاذي العزيز الكاتب والشاعر أحمد السعد، الذي اتصل بي قبل 30 عاما وطالبني بطباعة ديواني، رغم أنني حتى اللحظة لم أتشرف بمقابلته لكنني اعتذرت منه بعد أن شكرت له مبادرته الرائعة، هكذا كان اهتمام الجيل الذي سبقنا بالأجيال اللاحقة، وهذه كانت أخلاقهم، يا صديقي العزيز بالنسبة إلى الديوان الصوتي هناك إلحاح من بعض المحبين للشعر، لكنني ما زلت مترددا، وأقولها بكل صراحة: لا أشعر حتى اللحظة بأنني كتبت ما يستحق أن يجمع، إضافة لرداءة الصوت الممتلئ بنبرات الحزن! ماذا يهمك الآن ويشغلك ويستوعب أمانيك؟ أن يستمر رضا والدتي ودعواتها لي، وأن يجد شقيقي محمد السلام والعافية من هذا السرطان الذي ينهش جسده، وأن يكبر حفيدي تركي الذي يمنحني السعادة كلما أقبل علي وترك الآخرين، وأن أشاهد إخوته وأبناء البقية كبارا سعداء، وأن أموت وقد نطقت الشهادة ولم أظلم أحدا؛ ليترحم علي كل من يسمع بخبر وفاتي