يسألني أصدقائي عن سبب قلة أمسياتي، وأخيرا عن قلة مشاركاتي في الصحف باستثناء هذه الزاوية وكتابتي غير المنتظمة في صحيفة «عناوين» أو بعض نصوص أنشرها في صحيفة إيلاف الإلكترونية. والحق أنني، حتى عندما كنت أجد صعوبة في الإجابة عن أسئلة اللقاءات الصحفية أو المشاركة في محاور حول قضايا معينة لكثرتها، كنت بشكل خاص أرتاب في المنابر. فالوقوف على المنبر لا يعني فقط ما يشاهده الناس، إذ إن وراءه جهة داعية، وجمهورا مستهدفا، وفعالية سيكون من يعتلي المنبر أحد عناصر نجاحها، ولا بد لمن يعي كل ذلك أن يتساءل عن طبيعة المنبر الذي يقف عليه، وعن الأهداف، لا أهدافه هو فقط بل أهداف الجهة الداعية وأهداف الفعالية القائمة. لهذا؛ كنت أرتاب جدا في المنابر لأنني لا أثق إلا بأهدافي أنا فقط، لكنني أجهل ما الذي يضمره الآخرون خصوصا حين أكون موجودا في وسط ثقافي ليس من أولوياته، في الغالب، خدمة الثقافة وإشاعة المعرفة؛ لا على مستوى الأفراد فقط بل حتى على مستوى المؤسسات الثقافية. كثيرا ما يتم استخدام المثقف دون علمه، فيتورط في خدمة أهداف لا يدري عنها شيئا، وخصوصا على منابر بعض المؤسسات التي يعشيه ضوء كاميراتها ويصم أذنيه تصفيق مرتاديها عن معرفة ما وراء النشاط الثقافي الذي هو جزء منه. لكن الأمر يزداد سوءا حين يتم استخدام بعض المواقف الطارئة التي يتعرض لها المثقف أثناء زيارة ثقافية ضمن وفد ثقافي، أو خلال حضوره لمعرض كتاب أو أمسية لا يكون هو محور الحدث فيها لولا أن صادف وجوده حدوث بعض المواقف وردات الفعل التي تجعله جزءا من قضية يتدافع حولها أنصاف المثقفين لا لنصرته ولكن للظهور من خلاله أو استغلال اسمه في سبيل نصرة قضية لا تمت له بصلة. وغالبا، وبوعي ضئيل لا يتناسب مع وعي مثقف كبير، ينساق المثقف المستخدم في صراع حول قضية لا تعنيه، فنجده يحتل شاشات التلفزة لإيضاح «حقيقة» ما حدث ودلالته الخطيرة، أو يتربع على صدر صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية لبيان وجهة نظره حول الامتهان الذي تتعرض له الثقافة من جهة ما. ويزداد الطين بلة حين لا يعي مثقفنا المسكين أهداف من هم حوله من مناصريه، ولا لماذا يهتفون باسمه، فعلى سبيل المثال: قضية القيام أو الجلوس على كرسي ما دون غيره ولأي سبب كان لا يمكن أن تعني حدثا جللا أو طامة كبيرة خصوصا إذا عرفتَ أنك كنتَ تخدم قضية المرأة لأن من ناصرك في موقفك «الشجاع» هن فقط من المثقفات المشغولات بقضية المرأة، وعلى ذلك فقس.