أدى قرار حكومة دبي تأجيل سداد ديون شركات الإمارة إلى اندلاع أزمة ثقة بين المستثمرين في أسواق المال العالمية خصوصا الآسيوية، وأدت تلك المخاوف إلى بروز أزمة ائتمان قد تشعل عاصفة مالية عالمية مجددا، فقد تراجع المستثمرون أمس عن الأصول التي تنطوي على مخاطر وتخلوا عن أسهم البنوك وشركات الإنشاءات الآسيوية. وقال روبرت ريني المحلل في وستباك جلوبال ماركتس في مذكرة "هذه تذكرة مهمة بأن أزمة الائتمان تم تناسيها لكنها لم تنته بعد". والبنوك الآسيوية مثل نظائرها الأوروبية سعت لأن تنأى بنفسها عن دبي التي تستثمر في بنوك عالمية مثل ستاندارد آند تشارترد وتجتذب مديري الأموال بوعود بنمط حياة خال من الضرائب. فيما قال كبير الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي جون سفاكياناكيس إن المخاوف بشأن عدم قدرة دبي على الوفاء بديونها هزت ثقة المستثمرين بمنطقة الخليج. وأضاف في مذكرة بحثية عن الأسواق الناشئة، أن سمعة دبي تأثرت بشكل كبير بسبب تأجيل سداد الديون مشيرا إلى أنه سيكون من الصعب على الإمارة التعافي من تداعيات الأزمة خصوصا بعد ردود الفعل السلبية من المستثمرين على الأجل المتوسط والطويل. ويعتقد سفاكياناكيس أن أبو ظبي سوف تهب لنجدة جارتها دبي للخروج من أزمتها ولكن شأن ذلك شأن جميع عمليات الإنقاذ التي سيكون لها ثمن. ويقول "في هذه الحالة يكون من الجائز في المقام الأول أن يكون الثمن سياسيا". ويرى سفاكياناكيس أن أبو ظبي قد تعاني من تداعيات الأزمة وانتقال عدوى الأزمة إليها من دبي على المدى القصير، إلا أننا نتوقع أن عاصمة دولة الإمارات ستكون في وضع يمكنها من التغلب على أي مخاطر وضغوط. وقال "نتوقع في المدى القصير أن تهدأ مخاوف المستثمرين وبعدها سيبدؤون في التفريق بين الاستثمارات الجيدة والسيئة في منطقة الخليج". وأضاف "الأزمة خطوة للتفرقة بين الشركات القادرة وغير القادرة على السداد وفرصة لتحويل التركيز عن الشركات الأقل قدرة على الوفاء بالتزاماتها". وكانت الإمارة أعلنت أنها ستطلب من دائني شركتي دبي العالمية ونخيل العقارية تعليق المطالبة بسداد ديون بمليارات الدولارات كخطوة أولى لإعادة هيكلة الشركتين. وبلغت مديونية دبي العالمية المجموعة التي قادت نمو الإمارة 59 مليار دولار في أغسطس الماضي وهو ما يمثل نسبة كبيرة من إجمالي ديون دبي البالغة 80 مليار دولار. ونخيل هي الشركة التي أقامت ثلاث جزر صناعية على شكل نخيل قبالة دبي. وهزت تلك الأنباء الأسواق التي مازالت تحاول التعافي من انهيار سوق الإسكان الأمريكية، حيث هبطت الأسهم الأوروبية والآسيوية خصوصا أسهم البنوك التي قد تكون معرضة لديون دبي وأسهم شركات البناء والعقار الآسيوية، فضلا عن تأثر أسعار السلع خصوصا النفط، والذهب. فقد واصلت أسعار النفط هبوطها لتصل إلى أدنى انخفاض في شهرين دون مستوى 72 دولارا أمس وسط فزع المستثمرين بسبب مشكلة ديون دبي مما دفعهم لتقليص مراكزهم والتحول إلى الأصول الآمنة. وتسببت أيضا المخاوف من عاصفة مالية ثانية في انخفاض الأسهم الآسيوية أمس مع إقبال المستثمرين على بيع أسهم البنوك وشركات الإنشاءات وتخوف الأسواق المالية في طوكيو وهونج كونج من تعرض المقرضين لشركات دبي. فيما افتتحت بورصة نيويورك أمس على تراجع كبير في جلسة تداول قصيرة غداة يوم عطلة، إذ يبدي المستثمرون قلقهم من عواقب الصعوبات المالية التي تواجهها إمارة دبي على النهوض الاقتصادي، وسجل مؤشر داو جونز خسارة 1.82% ومؤشر ناسداك 2.72%. أما على صعيد أسواق النفط فقد نزل سعر الخام الأمريكي تسليم يناير في التعاملات الإلكترونية إلى 73.94 دولارا للبرميل منخفضا بأكثر من 5% عن سعر التسوية أول من أمس. ونزل سعر مزيج برنت خام القياس الأوروبي 1.26 دولار إلى 75.33 دولارا. وقال بنسون وانج المستشار في كوموديتي بروكينج سيرفيسيس في سيدني "وضع دبي مثير للقلق للغاية". وأضاف "هذه الحلقة قد دمرت الثقة بين المقرضين والمقترضين وهزت أيضا الثقة حول وتيرة الانتعاش الاقتصادي العالمي". ونتجت مشكلات الديون في دبي عن فقاعة العقارات التي انفجرت بعد الأزمة المالية مما عطل خطط الإمارة لأن تصبح منطقة جذب سياحي ومركزا إقليميا لكل شيء من الخدمات المالية إلى الإعلام والترفيه. لكن محللين قالوا إن إمارة دبي لا تواجه خطر الإفلاس لكن الثمن المترتب للخروج من أزمتها المالية سيكون التخلي عن جزء من سيادتها الاقتصادية لصالح أبو ظبي. وقال باسكال دوفو الخبير الاقتصادي في مصرف بي إن بي باريبا إن "دبي كإمارة غير معرضة للإفلاس لأنها تحظى بدعم أبو ظبي". وقال كريستيان باريسو الاقتصادي لدى مؤسسة أوريل إن "تحركات السوق تركزت أمس على الأسهم المصرفية والبناء"، القطاعان الأكثر تضررا من الأزمة المالية في دبي. وأوضح كزافييه دو فيلبيون بائع الأسهم لدى غلوبال أكويتيز في باريس أن خطر إفلاس إمارة دبي "أجج أزمة ثقة في حين تتوالى المخاوف من ديون عامة مفرطة". وبعد طلب دبي تأجيل سداد ديون بعض شركاتها، خفضت وكالتا التصنيف المالي "ستاندارد آند بورز" و"موديز" تصنيفهما لكل المجموعات الكبرى في دبي. فقد تحملت البنوك وشركات البناء وطأة ضغوط البيع في أنحاء آسيا أمس مع شعور المستثمرين بالذعر من أن التعرض لديون دبي قد يزيد من الضغط على الأرباح المتأثرة بالفعل بالتباطؤ الاقتصادي العالمي. وهوت أسهم بنوك كبرى بينها إتش.إس.بي.سي هولدنجز وستاندرد تشارترد بنسبة 7 8%، كما أقبل المستثمرون على بيع أسهم شركات تطوير عقاري مثل لايتون هولدنجز الأسترالية وأوباياشي كورب اليابانية بسبب مخاوف من مواجهة خسائر من بعض مشروعات الإنشاء في دبي.