أحياناً، تبدو ولاية الرئيس بوش الثانية، كاختبار لما يحدث لمؤسسة كبرى عندما تتعطل كل آليات المحاسبة ، أما النتائج، فليست جيدة: إعصار "كاترينا" الفوضى التي ميزت احتلال العراق وإعادة إعماره، انهيار "مركز والتر ريد الطبي العسكري" شطط "مكتب التحقيقات الفيدرالي" في استعمال السلطات التي يخولها "القانون الوطني"، إقالة ثمانية نواب عامين. وباختصار فإن الإدارة الحالية تعاني من مشكلة انعدام الكفاءة في كل المجالات. لقد تعثر بوش كثيراً بخصوص إدارة المسؤوليات الأساسية للحكومة إلى درجة أن مجلة "ذا ناشيونال ريفيو"، غير المعروفة بانتقاداتها للرئيس والتي تعد لسان حال "المحافظين" ، خصصت غلاف أحد آخر أعدادها لطرح سؤال مؤداه: "ألا يستطيع أحد هنا لعب هذه اللعبة؟". والواقع أن الجواب يكمن في أسلوب بوش في إدارة الأمور؛ إذ يبدو أنه يكن كراهيةً للتفاصيل، وأن لديه ميلاً لمكافأة الإخلاص والولاء على حساب الكفاءة والأداء. وفي ضوء هذين الموقفين، يبدو أن بوش يهتم أكثر بإظهار العزم والتصميم لمنتقديه عبر نفي العيوب وحالات الفشل التي تعتري إدارته، من التشديد على ضرورة التفوق عبر الدفع في اتجاهه والسعي وراءه. والواقع أن هذا الميل هو الذي يفسر قدرة بوش على توشيح صدر جورج تينيت –الذي استقال من منصبه كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" قبل بضعة أشهر- بميدالية قيمة، بعد أن اتضح زيف ادعاءات وكالته بخصوص أسلحة الدمار الشامل العراقية، وصمود دونالد رامسفيلد في منصبه كوزير للدفاع لفترة طويلة بينما العراق يتفكك. وقد وجدت طريقة بوش في الإدارة سنداً لها في الكونجرس الذي كان يهيمن عليه "الجمهوريون"؛ حيث تخلت الأغلبية "الجمهورية" بشكل كامل تقريباً عن مسؤولياتها في مراقبة السلطة التنفيذية إلى درجة أن لسان حالها كان يقول "لا تسلْ، ولا تقلْ". فقد كانت تمر أحياناً أشهر دون أن تعقد اللجان التابعة لمجلس النواب ومجلس الشيوخ جلسات استماع بخصوص العراق، في إطار صلاحية المراقبة والإشراف التي ينص عليها الدستور. كما أن أياً من الغرفتين لم تقم سوى بمراجعة سريعة للصلاحيات الموسعة للشرطة، والتي حصلت عليها الإدارة الحالية في إطار الحرب على الإرهاب. وعلاوة على ذلك، فنادراً ما لفت الكونجرس إلى تدهور الخدمات الصحية التي يتلقاها قدماء المحاربين في مركز "والتر ريد الطبي"، وكثيراً ما تحاشى إثارة المواضيع المزعجة والمحرجة لبوش من قبيل ارتفاع حرارة الأرض وتراجع الاستفادة من التأمين الصحي. ويعكس غض الطرف هذا الميول السائدة في أوساط أعضاء الكونجرس "الجمهوريين" إلى الاعتقاد بأن رفاهيتهم السياسية مرهونة بالرئيس، وبالتالي، بالإحجام عن فعل "ما من شأنه أن يجعله يبدو في وضع سيئ"، مثلما قال النائب "الجمهوري" توماس ديفيس من فرجينيا، وهو واحد من الزعماء "الجمهوريين" القلائل الذين حافظوا على بعض الاستقلالية عن البيت الأبيض. والحال أن للتخلي عن المراقبة والإشراف تأثيراً عكسياً؛ ذلك أنه حين رفضت الأغلبية "الجمهورية" تحدي أداء الإدارة ومساءلتها، فإنها سمحت للمشاكل بأن تتفاقم وبالاختلال أن يتكرس. وهو رأي شاطره زعيمٌ "جمهوري" من مجلس النواب قبل بضعة أيام، حين اعتبر أنه لا شيء أضر بالحزب "الجمهوري" في 2006 أكثر من تدهور سمعته بشأن كفاءة إدارته. والواقع أن الكثير من القرارات التي تتسبب اليوم في أحزان بوش لا يمكن أن يتخذها سوى سياسي واثق من أن أحداً لا يراقبه؛ ذلك أنه من غير الممكن ألا تكترث الإدارة إلى هذا الحد بالتخطيط لاحتلال العراق في مرحلة ما بعد الحرب –أو بتحذيرات الجيش من أنها لم تُسخر ما يكفي من الجنود لفرض النظام- لو أنها عرفت أن الكونجرس سيكون لها بالمرصاد. والحال أنه يمكن للأغلبية "الديمقراطية" في الكونجرس اليوم أن تستأنف العمل بمحاسبة ما أشد حاجة النظام إليها، وذلك حسب مدى تطبيقها لسلطة المراقبة والإشراف؛ إذ أنه في حال ركز "الديمقراطيون" على تسوية الحسابات، فإنهم لن ينجحوا سوى في إشعال نار المعارك الحزبية؛ في حين أن المراقبة التي تركز على الأهداف المشروعة تخدم مصلحة البلاد، وذلك عبر تكثيف الضغوط على الإدارة من أجل الإتيان بنتائج -بدءاً بالعراق، والداخل أيضاً. والحقيقة أن مساءلة الكونجرس الصعبة بدأت في إرغام الرئيس بوش على تغيير طريقة عمله منذ بعض الوقت. فخلال الأشهر الأربعة الأخيرة التي تلت فوز "الديمقراطيين" بالأغلبية في الكونجرس، ربما يكون عدد المسؤولين في الإدارة الذين استقالوا تحت وقع الانتقادات، وممن لهم صلة بالفشل أو بأخطاء أخلاقية –مثل رامسفيلد، والأشخاص المسؤولين مباشرة عن "مركز والتر ريد"، ومدير ديوان وزارة العدل- أكبر من عدد من استقالوا خلال السنوات الست الماضية، عندما كان الحزب "الجمهوري" يغض الطرف عما تقوم به الإدارة. ومن غير المستبعد أن يكون وزير العدل "ألبيرتو جونزاليس"، حتى بعد تجديد بوش ثقته فيه قبل بضعة أيام، هو التالي على قائمة ضحايا الموجة الجديدة. وإذا كان بوش يوحي بأنه سيقاوم مراقبة صارمة للكونجرس؛ فإن فترة رئاسته ربما كانت أفضل بكثير لو أنه لم يكن محصناً من هذه المراقبة خلال سنواته الست الأولى. -------------------- تحليلات غربية المصدر: المركز الدولي لدراسات أميركا والغرب - جيمس زغبي المؤلف: رونالد براونشتاين