في الملتقى 14 للقطاع الخاص على هامش الملتقى الرابع عشر للقطاع الخاص لتنمية التجارة البينية والاستثمار في المشاريع المشتركة بين البلدان الإسلامية ، قال صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال ، رئيس منتدى الفكر العربي ، سفير لايسيسكو للحوار بين الثقافات والحضارات ، رئيس منتدى غرب آسيا وشمال إفريقيا في تصريح تلقت (شبرقة) نسخة منه تحدث فيه عن حقيقة أن للأمن الإنساني دوراً محورياً في حياتنا المعاصرة ، والتي تداخلت فيها النظم وتشابكت المعارف والمسارات الإنسانية ، وأن الحديث عن هذا النوع من الأمن لابد أن يبرز في أيامنا هذه التي نحن أحوج ما نكون فيها إلى وضوح في الرؤية نحو المستقبل، في خضم الغليان الذي يعيشه المشهد العربي الراهن. وأضاف سموه : (إن في استضافة الشارقة (الملتقى الرابع عشر للقطاع الخاص لتنمية التجارة والاستثمار في المشاريع المشتركة بين البلدان الإسلامية) ما يمثل النهج المحمود المتصل الذي يستند في منطلقاته إلى الصالح العام وتعزيز الأمن الإنساني ، فإذا كان الحكم الشمولي في كثير من بقاع العالم قد حرف المؤسسات عن غاياتها ، فإن التواصل الإنساني من خلال التجارة السلمية مؤشر على إرادة الشعوب في التواصل الإيجابي على المستويات كافة). كما عبر سموه عن المكانة العظيمة التي تحظى بها التجارة في الإسلام ، وذلك لارتباطها القوي بالأمن الإنساني. وأوضح أن القرآن الكريم يتحدث عن العمل بالتجارة بأنه (ابتغاء فضل الله) ، إذ يطلب من المسلمين يوم الجمعة أن يتركوا البيع ويذهبوا للصلاة إذا سمعوا الآذان ، (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون). وأكد على أن إحدى النعم الكبرى من الله سبحانه وتعالى على عباده هي رحلات تجارتهم بين الجنوب والشمال وثمراتها من الغذاء والأمن : (بسم الله الرحمن الرحيم* لإيلاف قريش* رحلة الشتاء والصيف* فليعبدوا رب هذا البيت* الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف). واستمراراً لتحذيرات سموه الدائمة من ضياع تراث الإيمان المشترك في منطقة العالم الإسلامي بما يتضمنه من جميع التعبيرات الروحية والفكرية والثقافية التي تواصلت عبر التاريخ ، قال : (إذا كان لدينا الأمل في الوصول إلى ما نصبو إليه كأمة يوحدها تنوعها وتاريخها ومصادرها ، علينا أن ننتقل من ثقافة البقاء والخلاص إلى ثقافة المشاركة على صعيد العالم وفيما بيننا. والتجارة باب من أبواب هذه المشاركة ، حيث يمكننا من خلالها ترسيخ أرضية ثابتة للتواصل والتفاعل مع معطيات العصر ؛ في إطار يتمحور حول تعزيز الكرامة الإنسانية ومساعدة الفقراء والجياع والمجتثين في منطقتنا وفي العالم). وفي هذا السياق أكد سموه على ضرورة مناغمة النظم الاجتماعية والاقتصادية العالمية مع المعايير الأخلاقية التأسيسية لكل الشرائع التي طالبت بحقوق الإنسان من حمورابي إلى اليوم ؛ فالدعوة لضمان حقوق الإنسان ليست بدعة الغرب والحداثة ، فهي منذ القديم موجودة في حكمة الإشراق التي تحدث بها الشيخ شهاب الدين السهروردي. وانطلاقاً مما يحدث في منطقتنا من ثورة على الإرادة المكبلة دعا صاحب السمو الملكي إلى استغلال تلك الفرصة الثمينة للاستثمار والإصلاح الإقليميين ، فهي تشجع دول الإقليم على البدء بسيرورة فوق الأقطار وعبرها للتعاون والأمن. وقال : (إنه بالإمكان توسيع التعاون الإقليمي في مجالات المياه والطاقة والبيئة ليشمل التجارة والزراعة والصناعة والمعلومات والتعليم ، وذلك من خلال اتفاقيات عربية وإسلامية عبر إقليمية تركز على بناء الثقة والتعاون والأمن الإنساني). وتابع حديثه قائلاً : (يجب ربط التعاون عبر الإقليمي في هذه المشروعات بميثاق اجتماعي قانوني للتوزيع العادل للمصادر والاستثمار المالي المدروس في مجال الأمن الإنساني ، ولابد أن تبدأ مختلف القيادات بالتركيز على منافع التعاون الإقليمي وعبر الإقليمي ، الذي يشمل المجتمع المدني والحكومات وقطاع الأعمال والمستثمرين ، فيكون الاستثمار الإقليمي فرصة جيدة لصناديق الثروة السيادية ، والمصارف الاستثمارية والمستثمرين الأغنياء الذين أصبحوا أكثر حذراً منذ وقوع الأزمة الاقتصادية قبل أعوام). ويرى الأمير الحسن بن طلال أن التحدي يكمن -في العالم العربي- في تطوير إطار ينتقل من الريع إلى الإنتاج ، ومن الاستثمار إلى الاستهلاك إلى الإنتاج ، ويعيد التكامل بين العمل والثروة ، ويستبدل السياسة بالسياسات العامة ويركز على التنمية الإنسانية ، كما أن وجود عملية عبر حدودية تبني الثقة والتعاون من خلال اتخاذ القرارات الجمعية ، يمكن أن يؤدي إلى نهج شامل للتعامل مع الاحتياجات الاقتصادية والتنموية للإقليم. وأشار إلى أن قضايا الأمن الإنساني مثل النمو السكاني والفقر والغذاء والمصادر غير المتجددة والبيئة والهجرة والطاقة والسلام هي قضايا من الصعب ، بدون فهم ثقافي علمي ، ترجمتها واقعياً في علاقة الاستقلال المتكافل بين الأقطار والأقاليم التي يجب تمثيلها بشكل صحيح على مستوى العالم. كما أضاف : (إنني أرى في الملتقى الإسلامي الرابع عشر المنعقد في الشارقة فرصة للحديث عن تنسيق عالي المستوى من أجل التوصل إلى تمثيل دولي للفضاء الإسلامي بوصفه تكتلاً تجارياً واستثمارياً وتنموياً ذا تأثير مهم على الخارطة الاقتصادية العالمية). في حين دعا سموه إلى إقامة صندوق عالمي فوق قطري للزكاة والتكافل أو هيئة عالمية للزكاة ، وهي دعوة أطلقها منذ أكثر من ربع قرن ، كفيلة بتنظيم جمع الزكاة وصرفها في مصارفها الثمانية ، وتقديم المساعدة الإنمائية للبلدان الإسلامية الأقل نمواً ، وقد تحدث سمو الأمير عن أهمية ذلك الأمر بقوله : (لقد استخلف الله عز وجل الإنسان على الأرض ، وجاء الأمر الإلهي بإعمارها ، فكانت الزكاة أداة للتكافل الاجتماعي ودافعاً للتنمية الاقتصادية ومحفزاً لها ، لذا لابد من اللجوء إلى نظام مستدام يلبي حاجات المسلمين على مستوى العالم الإسلامي). وفي إشارة منه لنظرية العواطف الأخلاقية التي روج لها عالم الاقتصاد الشهير آدم سميث والتي تقدم صورة عن التكوين الطبيعي للمجتمع ، أكد سموه في المقابل على وجود ذلك الأمر في السياق الإسلامي ، حيث يحث القرآن الكريم على قيم التكافل والتعاطف الاجتماعي بوصفها فرض عين ، وهذا واجب يمكن تحقيقه استناداً إلى ما تملكه الأمة من ثروات وإمكانات هائلة. واختتم سموه حديثه قائلاً : (إن أمتنا وريثة تاريخ طويل من الحرية المسؤولة الذي انتشر في نسيج المجتمعات المختلفة من خلال القيم والأخلاق والمعاملات ، لذا من شأنها، إن قامت بتفعيل فضائل التجارة الإنسانية وثقافة العطاء الإنساني ، أن تؤسس –منهجياً- لسيرورة مستدامة من أجل سد العجز في الكرامة الإنسانية ، وهي سيرورة مركزها الإنسان ، ومبتغاها الإنسان ، ومنتهاها طاعة الله في استخلافه البشر ، كل البشر ، على هذه الأرض وابتغاء مرضاته سبحانه في تفكيرنا وفي فكرنا وفي عملنا وفي إحساسنا ببعضنا بعضاً).