رغم نشأة سعيد منصور الغامدي أول محام في بلجرشي قبل 60 عاما، إلا أن والده كان من الذين هاجروا إلى الحبشة طلبا للرزق، فعمل لدى تاجر أريتيري وتعلم هناك اللغة الإيطالية وعاد منها بعد خمسة أعوام بعد أن جمع بعض المال، ليعود حياته بشراء بقرة وثور، وممارسة الزراعة. وكبقية أقرانه كان يساعد والديه في الزراعة ولم يتجاوز الخامسة من عمره، إلى أن حضر أحد رجالات العلم للقرية لتعليم أبناء القرية القرآن الكريم والكتابة في نزله. يقول سعيد: كنت أذهب إلى منزل الشيخ والاستماع عبر الشباك، وهو يعلم الأطفال قراءة القرآن وما إن يراني حتى أغادر مسرعا إلى منزلي، إلا أن ذلك الشيخ لم يلبث طويلا حتى غادر القرية لنسمع حينها بافتتاح أحد علماء المنطقة للكتاب في داره وهو الشيخ سعيد عبدالله حيطان الذي تلقى تعليمه في اليمن، حيث أنشأ أول مدرسة للكتاتيب في قرية الحمران، فكان يعلمنا على الطريقة البغدادية ويدرسنا القرآن الكريم والفقه والحساب والخط، إلى أن تم تعيين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله أول وزير للمعارف وأصبح التعليم نظاميا، فاختير الشيخ حيطان مديرا للمدرسة، وتم تعيين مدرسين أجانب وسعوديين عام 1373ه، وكنت أسير مسافة خمسة كيلو مترات مع أقراني مشيا على الأقدام، فيما نقضي وقتنا بعد عودتنا للقرية في مساعدة أسرنا في الزراعة والرعي، فيما تكون (القازة) صديقتي ليلا للاستذكار وحل الواجبات لعدم وجود كهرباء. ويضيف سعيد في سرد هذه المرحلة من مسيرته: على الرغم من أن أقراني لم يلبثوا أن تركوا الدراسة، إلا أنني واصلت فيها، فكان أهالي القرية يأتون لمنزلي وأنا بالصف الثاني الابتدائي لكتابة الرسائل لأبنائهم وأقاربهم خارج المنطقة، واستمررت على هذا الوضع حتى حصلت على الشهادة الابتدائية، التي كانت تحرر وتصدر من الوزارة وكانت أشبه بالجامعة في ذلك الوقت. ويضيف بعد أن أتممت الابتدائية فكرت في مواصلة الدراسة ولعدم وجود مدرسة كفاءة أو ثانوية قررت السفر إلى جدة للدراسة، وهناك قبلت طالبا في المدرسة الصناعية الثانوية، حيث أتممت خلالها أربعة أعوام كنت أتقاضى خلالها مكافأة 120 ريالا، فيما كنت استغل فراغي بالتعلم على الآلة الكاتبة ومفردات الإنجليزية على يد موظف في المطار، حتى أجدت اللغة تحدثا وكتابة، بالإضافة إلى دراستي للعلوم الشرعية (فقه وفرائض) على يد عالم فلسطيني، وحصولي على إجازة منه في العلوم الشرعية، ساعدتني فيما بعد في الحصول على إذن شرعي لإجراء عقود الأنكحة. وأضاف ما إن تخرجت من الثانوية الصناعية حتى علمت بوجود وظائف في إذاعة جدة لم أوفق في القبول بها، ليأتيني خبر بعدها بوجود وظائف شاغرة في إدارة البرق والبريد والتابعة حينها لوزارة المواصلات، فتقدمت إليها، وتم تعييني في قسم الحوالات على المرتبة الثامنة وفق سلم الرواتب القديم (والذي يبدأ بالتاسعة حتى الأولى) إلى أن تمت ترقيتي على السابعة بوظيفة مراقب بريد، كنت خلالها أداوم لفترتين صباحية ومسائية، وسيرا على الإقدام لعدم وجود سيارة، فقررت بعدها الانتقال لإدارة الطرق في جدة بوظيفة مدقق حسابات على المرتبة الرابعة بعد صدور نظام سلم الرواتب الجديد، وبعد ثلاثة أعوام كنت خلالها قد تزوجت قررت العودة لبلجرشي لأكون قريبا من أهلي حيث تم نقلي عام 1392ه للعمل في إدارة الطرق في الباحة على وظيفة مأمور صرفية ومراقب للدوام، وقررت شراء سيارة قمت بقيادتها وأنا أجهل القيادة، ولم أكن استطيع إرجاع سيارتي للخلف، ومع هذا استطعت التعلم في فترة وجيزة لعدم كثرة المركبات، فكان الأهالي يستدعونني لإيصالهم ويعطونني تكلفة تلك المشاوير وبقيت في إدارة الطرق حتى تمت ترقيتي للمرتبة الخامسة في مدينة أبها عام 1396ه، فرفضت الترقية وتقدمت باستقالتي والتقديم للمحكمة الشرعية للحصول على إذن شرعي لإجراء عقود الانكحة، فحصلت على إجازة شرعية من رئيس محكمة بلجرشي، وفتحت حينها أول مكتب محاماة في بلجرشي يهتم بأعمال المحاماة وكتابة العرائض واللوائح الاعتراضية، بالإضافة لعملي كمأذون شرعي، حيث تفرغت لهذا العمل تسعة وعشرين عاما، قبل التفرغ بفتح محل لبيع الخردوات. ويصف سعيد تجربته في هذا المجال قائلا: على الرغم من أن عمل المحاماة كان جديدا على أهالي المنطقة، إلا أن (الدكان) أو المكتب كان يمتلئ بهم، منذ الصباح الباكر والذين يأتون لرفع دعاوى في إرث أو قضايا خلع ونكاح أو طلب كتابة لوائح اعتراضية لعرضها على هيئة التمييز لاستئناف الدعوة بالإضافة إلى كتابة العرائض ووثائق بيع وشراء العقار. ومن المواقف الطريفة التي ما تزال عالقة في ذهنه عندما طلب أحدهم منه إجراء عقد نكاح لابنه على فتاة وطلب منه أن يذهب أولا لمنزلها، وسوف يلحق به وبالفعل ذهب إلى هناك واستقبله والد الفتاة وانتظر لأكثر من ساعة وعند سؤاله عن تأخير ذلك الرجل وأهله أخبروه بأن العريس تراجع عن الزواج.