قلت للأمير محمد بن ناصر (أمير جازان) يا أبا تركي لسنا متقاعدين من العسكرية ولسنا رياضيين ، فارحم ثقل خطواتنا ، فضحك الأمير وقال أبشروا لكن دعونا في الوسط لا بطء ولا سرعة. كنا نتجول بصحبة الأمير في ليلة (جازان الفل مشتى الكل) على القرية الشعبية ومدينة الألعاب ، ومعرض الأسر المنتجة ، وكان الأمير – ما شاء الله – يمشي بسرعة التنمية في (جازان) ، ونحن – أنا على الأقل – لا نستطيع أكثر من مشية السياح ، لكن الأمير مع ذلك لم يترك بائعاً ولا عارضاً أو عارضة للتراث أو الإنتاج المحلي الذي لن تجده في مكان آخر مطلقاً ، دون أن يتوقف عنده ويناقشه ويسأله ويشجعه ويعده بالأفضل في المستقبل القريب ، وفي معرض الأسر المنتجة كاد يطير الأمير فرحاً ، وهو يستمع إلى رجل الأعمال عبدالمحسن الحكير يعلن تبرعه بمواقع مجانية لعرض منتجات هذه الأسر في جميع الأسواق التي يملكها بالمملكة ، وهي خطوة تستدعي الفرح وتفرض توجيه الشكر والتقدير لهذه المبادرة الرائعة من الحكير الذي استوقفه الأمير أمام مدينة الألعاب ليريه حجم الإقبال والزحام ، وكأنه يقول له الربح مضمون ، وتأخركم في افتتاح هذه الملاهي كل هذه السنين يعد خسارة للطرفين: لجازان ولكم كجهة استثمارية. في الحفل كنت إلى جوار المهندس عبدالله القرني أمين منطقة جازان ، وكنت قد شاهدت بعض الجهود التي تبذلها الأمانة ، وأسرني جمال شواطئ جازان الشمالية والجنوبية ، وما سمعته عن وجود مئات الجزر المغرية للاستثمار، فسألت الأمين: أين جهود الأمانة في استقطاب المستثمرين؟ ، فقال كلاماً طويلاً فهمت منه أن لديهم مشكلتين الأولى تتمثل في عدم وجود استراتيجية ولا ميزانية للتسويق وهذه مشكلة جازان كلها ، والثانية في بعض المستثمرين الذين حصلوا على أرض أو جزيرة برسومها الرمزية وتركوها للريح تصفر فيها. وهنا قلت يا مهندس انتظروا إلى أن يأتي المستثمرون الجادون فذلك أفضل مما لاحظت أنكم تفعلونه، فقال باستنكار: ماذا نفعل ؟ وهنا أشرت له إلى مواقع مختلفة أحدها أرض ضخمة أمام فندق (جازان إن) أقيم على بعضها ما يشبه الأبنية التي تسيء إلى السياحة ولا تخدمها ، قال: تلك ليس من فعل الأمانة ، ولكن بعض المستثمرين هم من فعلها ، وبعضهم حصل على الموقع منذ أربع سنوات وما زال يماطل في إقامة استثماراته ، والأمانة رغبة في المزيد من الإغراء لمصلحة المنطقة لم تسحب تلك المواقع ، مع أنه لا يجوز بقاؤها هكذا لا نظاماً ولا عقلاً ، وتلك المنشآت التي تتحدث عنها مرفوضة من قبلنا لكننا لا نحب الضغط الشديد على المستثمرين ، قلت: المستثمرون – عادة – يشتكون من البيروقراطية وتعقيد الأنظمة وعدم تفهم المسؤولين ، وتوقف الحديث بسبب (الأوبريت) الذي أنصتنا إليه مستمتعين. انتهى الحفل ومن الغد أطلعني المهندس القرني على أدلة تثبت أن بعض المستثمرين اتخذوا من شماعة البيروقراطية والأنظمة المعقدة – وهي كذلك أحياناً – شماعة يعلقون عليها أطماعهم حيناً ، وفشلهم حيناً آخر ، ولا أريد أن أقول انتهازيتهم ، حيث يحصل بعضهم على الأرض والترخيص والقرض والدعم بكل أشكاله ، ثم يبدأ كما يقال (يهز ذيله) ، فلا هو الذي استثمر وأفاد واستفاد ، ولا هو الذي ترك الفرصة لغيره. دعم المستثمرين بكل السبل واجب ، مادياً ومعنوياً ونظامياً مع كل التسهيلات في المملكة كلها وفي جازان أوجب وأهم ، لكن على المستثمرين ألا يحيلوا هذه الرغبة عند الدولة والناس والإعلام إلى فرصة للربح المادي فقط ، أو لحرمان غيرهم من فرص يجثمون عليها بالمماطلة والتسويف. (جازان) تعرض فتنتها وإغراءاتها وذهبها للمستثمرين الصادقين المخلصين الذين يحبون (جيوبهم) ويهمهم الوطن.