(نورة رشيقة ومحافظة على صحتها ، سارة دارسة ومتخرجة وبنت حلال ، مها تطبخ أطيب شربة ذرة ست بيت ومتربية ...). نورة وسارة ومها لسن فتيات ، بل دجاجات يظهر عليهن ، من خلال الإعلان التلفزيوني ، الخنوع والرضا بالقسمة والنصيب. هن دجاجات بيت (حظيرة) من طراز رفيع. لا تعلو أصواتهن على من ينتف ريشهن ، ولا يبدين اعتراضًا على السكين التي تلمع في وجوههن ، ويتجملن دائمًا لأحلى أيام حياتهن: يوم توضع الواحدة منهن على طبق من الأطباق ، ويحمر جلدها ، تضاف عليها أنواع مبتكرة من البهارات ، وتغرق في بحر من الأرز والمقبلات المتنوعة ... ما الذي جعل المرأة تخطر في بال مصمم الإعلان ، وهو يحاول أن يسوق للدجاج ؟ أليس هو الإرث الثقيل الذي يتخطى في تأثيره كل ما تعلمه ذلك (المبدع) من فنون عصره الحديث ؟ أليست هي النظرة الدونية للمرأة التي يتساوى فيها مع رجل أمي قابع في أطراف الصحراء؟ ثم: ما الذي جعل كاتبًا من كُتّاب الصُّدفة (يبدو مثقفًا للوهلة الأولى!) يلطم خدوده ، ويرعد ويزبد ، ويهدد ويتوعد ، ويعادي ويستعدي ... حين رأى مثقفًا يحاور مثقفة ، في بهو فندق على هامش ملتقى المثقفين في الرياض ؟ إذا استثنينا بعض التأويلات ، وافترضنا حسن النية ، فإنه الإرث الثقيل ذاته ، الذي يكبّل عقول الكثيرين ، ويجعلهم لا يرون في المرأة إلا دجاجةً ... وفي الدجاجة إلا امرأةً !! (نظرةٌ فابتسامةٌ فموعدٌ فلقاءُ). ذلك هو السلم (الشعري) ، الذي وضعه أحمد شوقي قبل حوالي القرن من الزمان ، والذي لا زال يتحكم في علاقة الرجل بالمرأة. على المرأة أن تستكين ، وعلى الرجل أن يصعده درجة درجة. عليها أن تكون طريدة ، وعليه أن يكون صيادًا ماهرًا. عليها أن تكون طبقًا شهيًا ، وعليه أن يكون فمًا جائعًا. كل علاقة خارج ذلك الإطار هي محض تكاذب وادعاء ... محض (خزي وعار)!! إنه الإرث الثقيل الذي يقود إلى شلِّ نصف المجتمع ، وإشغال نصفه الآخر بنصب الكمائن أو مطاردة الأوهام ... إنها حياتنا ... أقسى من أن تُحتمل ، ومع ذلك نحياها!!