ذكَّرني موقف نائب رئيس مجلس الشورى وأعضاء لجان الشؤون التعليمية والبحث العلمي وحقوق الإنسان التابعين لمجلس الشورى ، حين شاهدوا عرض الدكتور فيصل بن عبدالله المشاري آل سعود ، رئيس المركز الوطني للقياس والتقويم ، عن ورقة طالب متخرج من المرحلة الثانوية حاز نسبة تقارب النسبة المئوية كاملة ، وكانت الأسطر القليلة مليئة بالأخطاء الإملائية الفادحة جداً ، بموقف مؤلم آخر حين اصطف عدد من كبار المسؤولين العراقيين أمام نصب تذكاري لحذاء الصحفي منتظر الزيدي في مدينة تكريت ، وكانت وجوههم - بحسب الصور التي التقطتها كاميرا إحدى وكالات الأنباء العالمية - تنضح بالضحك ، في أعقاب تدشين الحذاء الشهير الذي رشق الزيدي وجه الرئيس الأمريكي الآفل (بوش) به. القاسم المشترك هو الضحك غير المبرر ؛ إذ إن الضحك في مثل هذه الحالة أشبه بالبكاء ، بل أشد إيلاماً ؛ ففي الحالة الأولى: الطالب نتاج مدارسنا ، و (طبيخ) معلمينا ، لم يأتِ الطالب من نيكاراجوا أو مدغشقر ، إنما تخرج من واحدة من مدارسنا ؛ إذاً ، الموقف لا يدعو إلى الضحك ، بل إلى البكاء حد الفجيعة ، حد السكِّين المنغرس في أحشاء الضمير. أما الموقف الثاني: لكون الجيش الأمريكي ما زال يُعربد على امتداد المساحة الجغرافية لدولة العراق قتلاً وترويعاً واستبداداً ؛ حيث تشير بعض الدراسات إلى أن الاحتلال الأمريكي أسفر عن قتل ما يزيد على 3٪ من سكان العراق! هؤلاء الذين تسمروا أمام كاميرا ؛ من أجل لقطة صورة ضحكة صفراء باهتة ، لا يستطيعون أن يذهبوا إلى بيوتهم دون المرور على نقاط تفتيش مكثف لقوات عسكرية أمريكية ؛ فما لزوم الضحك إذاً؟ أما الجالسون في مجلس الشورى فلا أدري لماذا يضحكون؟ هل لأن التعليم وصل إلى هذه الدرجة من الانتكاس ؛ حيث إن طالباً حصل على نسبة عالية جداً ، ولم يتمكن من كتابة خمسة أسطر دون أخطاء فادحة؟ لماذا الجهات الإشرافية لم تفكر في سنوات مضت لمعالجة الخلل الواضح؟ هذا الطالب - دون شك - ماركة محلية ، ومنتج لإحدى مدارسنا ، ومع الأسف غيره كثيرون. لا يختلف اثنان في وجود المشكلة ، ولم تتمكن وزارة التربية والتعليم إلى تاريخه من تحديد المشكلة وتأطيرها بحسب خطوات منهج البحث العلمي ؛ إذ تبدأ أي مشكلة بتحديدها بشكل صحيح ، ومن ثم اتخاذ الخطوات والإجراءات البحثية وصولاً إلى معالجة حقيقية لا وهمية. التعليم لن يتحقق له النجاح دون مناهج تتناسب ومعطيات الحياة ، تواكب التنامي المعرفي والتقني والسيل المعلوماتي. التعليم لن ينجح ما لم يوجد المعلِّم الحاذق الذي يمتلك الكفاءات التدريسية التي تؤهله لأن يكون معلماً حقيقياً. التعليم لن يرتفع سلماً واحداً دون أن تتوافر قيادات تربوية عالية المستوى ، من مديرين ومشرفين تربويين ، قادرين على إدارة دفة التربية والتعليم. التعليم لن تتحقق له العافية دون أن تتوافر بيئات تربوية وتعليمية متكاملة ، من مبان مهيأة تماماً ومعامل ومصادر تعلم ومختبرات وملاعب ، وغيرها مما يحتاج إليه الطالب. التعليم لن يصبح مجدياً ما لم تفسح المدرسة الحوار بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معانٍ ومدلولات. إذا أردنا تعليماً مجدياً مؤثراً ومفيداً فعلى وزارة التربية والتعليم بحث جميع نقاط الضعف ، ووضعها تحت مجهر الصراحة والنقاش الواعي تحقيقاً للأهداف ووصولاً إلى الغايات المنشودة. أما إذا استمر الوضع كما هو فسوف يأتي يوم من الأيام ونعرض خيباتنا ونضحك .. ونضحك .. وشر البلية ما يُضحك!!