تُعد الجوائز الثقافية أحد أهم مؤشرات الإبداع لأي مجتمع من المجتمعات ، إذ تعكس التنامي الثقافي والحضاري والإنساني والفكري. والإبداع منتج إنساني ينمو في بيئة صحية ومناخ سليمين ، ويتحقق نتيجة تراكم معرفي في مجتمع يُقدر المبدع ، ويهيئ له فرص التحليق في فضاءات الإبداع. وحين يتم الاحتفاء بالمنتج الفكري من خلال الجوائز ، لا بد أن تخضع تلك الجوائز لشروط ومعايير دقيقة ، ومن بينها الاختيار الدقيق لأعضاء لجان التحكيم القادرين على التمييز بحسب الجدارة الحقيقية ، مع البعد- نهائياً -عن تأثير العواطف والاتجاهات الشخصية مما يزيد الثقة في الجائزة والقائمين عليها. وهناك جوائز محلية وعربية وعالمية بعضها يحظى بالتقدير والاحترام والثناء - ومن بينها جائزة الملك فيصل العالمية ذات الشهرة الواسعة - إذ أثبتت مكانتها ومصداقيتها وعلو شأنها - فالكثير ممن حاز على جائزتها ، حاز مرة أخرى على جائزة نوبل العالمية. مما يدلل على دقة معاييرها وبراعة محكميها وأهمية البحوث المقدمة لها ، وحسن اختيار موضوعاتها. وجائزة عبد العزيز البابطين للإبداع الشعري ، وجائزة سلطان العويس ، وجائزة باشراحيل من الجوائز ذات القيمة الثقافية والفكرية ، وهناك جوائز أخرى لا تحضرني لحظة كتابة المقالة. وبطبيعة الحال الجائزة تخلق نوعاً من التنافس ، وتلهب الحماس ، وتزيد من الحراك الثقافي ، وتعزز جانب الإبداع. إلا أن البعض يرى أن الجوائز بمثابة أفخاخ يقع في كمينها المبدعون ، فهناك جوانب خفية تُمرر من تحت الكواليس لأهداف معينة وبدون ضوابط ومعايير دقيقة من أجل الاحتفالية وسط حضور وفلاشات إعلامية وتحقيق مآرب نفعية لأيدلوجيات معينة. وفي ظني أن الجائزة - أي جائزة - متى كان لها رسالة واضحة ، وأهداف جلية ، وتخطيط واع ، فسوف يكون انعكاسها إيجابا على المشهد الثقافي سواء محلياً أم عربياً وكذلك عالمياً- وهذا المأمول من القائمين على هذه الجوائز سواء في داخل المملكة أو خارجها. ونلحظ أيضاً أن بعض المبدعين يعزفون عن المشاركة في تلك الجوائز ولا يشارك رغم منتجه الإبداعي ، ويعتبر أن جائزته الأفضل والأهم إمتاع القارئ ، بصرف النظر عن أي مؤثرات أخرى. ورغم احترامنا وتقديرنا لوجهات نظر المبدعين العازفين عن المشاركة في تلك الجوائز ، إلا أنه لا يختلف اثنان في ضرورة تلك الجوائز ، ودورها الفاعل في تحفيز الكثيرين لمنتج أفضل ، وأهميتها في فتح فضاء أوسع في سماء الإبداع .. على شريطة المعايير الدقيقة والاتجاهات السليمة. ومضة: الحكيم هو الذي يُقدر قيمة الكلمة التي يقولها ، والعبارة التي يكتبها ، مدركاً أن المجتمع لديه من الوعي ما يميز بين ما هو مفيد وغير مفيد ، والأحمق الذي يضع نفسه في مهب الريح ، دون إدراك منه بما سوف تأتي من نتائج ، فالأحمق مهما أوتى من قوة ومنعة ، سوف تأتي اللحظة الحاسمة التي تجتاحه الريح ، وتجتثه ويصبح كقشة صغيرة تُطوحه في كل الاتجاهات ، وما أتعس تلك اللحظة إذ لا يمكن بعدها التراجع أو الاعتذار ، لقد سبق السيف العذل!