سيتم الإعلان قريبًا عن أسماء الفائزين بجائزة الشيخ محمد صالح باشراحيل للإبداع الثقافي. وقد سجّل الشاعر السعودي المتميّز عبدالله محمد صالح باشراحيل حضورًا ثقافيًّا جديدًا خارج دائرة ملكته الشعرية وممارساته الكتابية في اهتمامه بالصناعتين الشعر والنثر. الذي مارس معهما هواياته الإبداعية منذ سني حياته الأولى ومازال. وقد تمثّل الحضور الجديد حين أسس جائزة للإبداع الثقافي باسم والده سمّاها (جائزة الشيخ محمد صالح باشراحيل -يرحمه الله- للإبداع الثقافي) بتمويل سخي من مبرّة والده مقداره النقدي مئتان وعشرون ألف دولار لكل دورة من دورات الجائزة. موزّعة على حقولها الإبداعية الإنتاجية، والتقديرية الاستثنائية لأولئك الذين حققوا لأمتهم وللإنسانية بعامة مستويات متقدمة من العمل العلمي الإبداعي، والسياسي، والاجتماعي. تحقيقًا للأهداف والغايات التي أُنشئت الجائزة من أجل تحقيقها. وعلى رأس تلك الغايات والأهداف دعم الإنتاج الثقافي العربي، وتشجيع النشاط الإبداعي الأدبي والفكري بتحفيز الموهوبين، وتكريم الروّاد والمبدعين في حقول المعرفة والثقافة. إذ لم يكن الهدف والقصد من ورائها مردودًا ربحيًّا تجاريًّا ماديًّا، ولا مردودًا اجتماعيًّا يبحث عن قيمة اجتماعية موقوتة. تزول بزوال الدعاية؛ إذ لو كان ذلك كذلك لحملت الجائزة شعارًا من شعارات مؤسسات الباشراحيل الاقتصادية والتنموية، إذ حملت شعار القبلة مستقر العائلة، ووجهة أنظار المسلمين وأفئدتهم. وذلك يصب في رصيد البحث عن الانتماء إلى أصول هذا البلد الأمين، ونقاء ذلك الانتماء من كل شائبة. انتماءً نظيفًا قامت عليه أسس الدولة المسلمة العادلة. دولة التوحيد التي أسس بنيانها الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل -يرحمه الله- ورفع دعائم ذلك البنيان أبناؤه ملوك هذه الدولة الفتية. إن سلامة الانتماء تصوّرًا، والتئامًا معه، والتزامًا به عملاً وسلوكًا قد أطّر كل عمل ينطلق منه الإنسان، ويعود إليه بما يحمل من الخبرات الإنسانية المتآخية مع منتمياتها الأساس. وأحسب أن ذلك ما كان أُسًا أساسًا من أصول التفكير في إنشاء هذه الجائزة. إذ لم تكن جهوية الهوى، والبيئة، والجنس، والمذهب. إنها جائزة مفتوحة على كل الجهات. تتجاوز حدود المكان العربي إلى خارج حدوده. منفتحة على الثقافات الإنسانية ذات الأبعاد الخيرية بما ينفع الناس، ونوعية غير كمية، ممّا منحها حرية الحركة ومصداقية الفعل الإبداعي الثقافي، والحيادية في النظر إلى ضوابط الحصول عليها. في خطوات إجرائية علمية دقيقة ممثلة في هيئاتها العامة بدءًا من أمانتها العامة المكونة من أسرة صاحب الجائزة برياسة الدكتور عبدالله باشراحيل، وهيئتها الاستشارية ذات الخبرات الأكاديمية والتنوّع في التخصصات والبيئات من أمثال معالي الأستاذ الدكتور عبدالسلام المسدّي، والأستاذ الدكتور صلاح فضل، والأستاذ الدكتور عالي بن سرحان القرشي، والأستاذ الدكتور عيّاد بن عيد الثبيتي، والأستاذ الكتور محمد أبو الأنوار الحاصل على جائزة الملك فيصل -يرحمه الله-، والأستاذة الدكتورة سهام الفريح، والمفكر العربي علي حرب، والدكتور عبدالولي الشميري، وما يستتبع ذلك من لجان الجائزة الأخرى. أضف إلى ذلك لجنة التحكيم التي تكون عادةً محايدة. وهذا أكسب الجائزة تجاوبًا واسعًا من قبل المثقفين المبدعين على اختلاف مشاربهم، ومستوياتهم الثقافية. من غرب البلاد العربية إلى مشرقها. ومثل ذلك الجانب الاستثنائي غير الإنتاجي في الجائزة من حيث مواصفات ومعايير الاستحقاق له. إن البحث في أهمية هذه الجائزة الإبداعية النبيلة في فعلها الحضاري الثقافي الرائد قد ساعد على إرساء مشروعيتها الثقافية، وشخصيتها الثقافية الاعتبارية في فضاء الإبداع، في آفاقه الواسعة وأنواعه وأجناسه الأدبية والفكرية. دعمًا وتشجيعًا للمنتج الثقافي العربي، وتحفيز المنتجين والموهوبين، وتكريم الروّاد في حقول الثقافة والمعرفة، وتنويع دائرة الاهتمام بالثقافة العربية الأصيلة، وتوثيق روابط التواصل بين أدباء العرب، والتأكيد على قيم التداول، والتكامل بين القطاعات المنتجة، والقوى الفاعلة المؤثرة في صناعة الحياة العربية يدفعها إلى ذلك قيم التعاون الصادق والمثمر، والمشاركة البناءة. وقد سارت هذه الجائزة في دورتيها الأولى والثانية بخطى ثابتة، دونما معوّقات تحد من سيرورتها نحو تحقيق نتائجها المأمولة. فقد تنوّع الإبداع المرشح لنيلها في الفروع الآتية: الشعر، والسرد، والدراسات النقدية، والدراسات الإنسانية والمستقبلية. ومنحت تقديرها وتكريمها لكوكبة متميزة من الرموز الثقافية العربية عن جدارة واستحقاق. ففاز بالجائزة من المنتجين في الدورتين الماضيتين: الروائي السوري نبيل سليمان، والشاعر اللبناني شوقي بزيع، والناقد التونسي محمد اليوسفي، والدكتورة يمنى الخولي من مصر. وفاز بها استثناء أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى، والكاتب الأمريكي كارل آرنست، والشاعران هارون رشيد وأدونيس. وفي دورتها الثانية فاز كلٌ من: الشاعرة حمدة خميس من الإمارات، والروائي علاء الأسواني من مصر، والدكتورة فاطمة الوهيبي من السعودية في النقد مناصفة مع مجدي توفيق من مصر، وفي مجال الدراسات المستقبلية فاز فاضل الربيعي من العراق. واستثناء فاز كل من: الدكتور مفيد شهاب من مصر، والدكتور ناصر الدين الأسد من الأردن، ومحمد بن مريسي الحارثي، والأستاذ علي بن حسن العبادي، والشاعر إبراهيم محمد الدامغ من السعودية، وعلي حسن حرب من لبنان. ويتطلع المثقفون إلى إعلان نتائج الدورة الثالثة للجائزة التي ستعلن في الأيام القليلة المقبلة؛ لتتسع الرؤية الثقافية الإبداعية في زيادة عدد الحاصلين عليها. كما هو الحال في دورتها الثانية. إن الإبداع الموكول بحمولات الحق والخير والجمال يؤسس شرطه المعرفي والأدبي بذاته. وإن انفتاح جائزة باشراحيل للإبداع الثقافي على المنتج الإبداعي، وتعدد مشارب منتجيه، واتجاهاتهم الفكرية، ومذاهبهم في طرائق التناول يعد مؤشرًا واضحًا على مصداقية هذه الجائزة، وحياديتها، وأبعادها الإنسانية. حين يكون مناط القيمة قد شكلته عناصر الخلق، والابتكار، والجودة، والحسن، وإتقان الصنعة، والإضافات الأصيلة في عالم المعرفة. ولا يغيب عن البال أن الخطاب الإبداعي العربي هو خطاب مصداقية الذات مع بواعثها، ومثيراتها في الأغلب الأعم، لتوافق عناصر التلقي الأساس (المبدع والنص والمخاطب) على الانفعال به والتفاعل معه، إنتاجًا، ونقبلاً لتشكله من نبض الوجدان العربي، والروح العربية الأصيلة، دونما وصاية من أحد أو إلزام جهوي يمجه العقل الصريح، والذوق السليم. إنك لتلمس أن هذه القيم الذاتية التي فازت بالجائزة، وفازت بها الجائزة كانت تعبيرًا صادقًا عن الهم الجمعي العربي، نظرًا إلى استحالة الانفصام بين الفرد والمجموع. وقد تدرجت هذه القيم في بناء تصورات مبدعيها من حالات التعدد في المادة إلى حالة التوحد في الغاية والتصوّر. ممّا يؤكد على أهمية هذه الجائزة، واستمرار فعلها في المشهد الإبداعي الثقافي، في ضوء معطيات تأثير الخطاب الإبداعي على سلوك الناس. وأن الانتماء إلى مقوماته العربية، والإنسانية إنما هو إيمان بأهمية دوره على تأكيد قيم العوربة، في مرتكزاتها الشرعية والقومية والوطنية والإنسانية، ووحدتها عندما تترقى في تطلعاتها لتتلاقى في أهدافها. وقد رسمت هذه الجائزة لسيرورتها خطًا عربيًّا واضح المعالم، متعدد المسالك، متوحّد الهدف، تسلكه للوصول إلى الغاية المتوخاة عند كل أحد. فلا مكان في شرط الجائزة لمذهبية ضيقة، أو بيئة منغلقة. وعلى هذا لا يستقيم البحث في قيم الإبداع وفق قانون يضبط حركة تحولات اللحظات الإبداعية ضبطًا مقننًا بحتًا. وإنما يتحسس مستوى حركة النفس في مواجهة مثيراتها. ولعله من المناسب أن أشير إلى ما دفعني إلى الكتابة عن الدورة الثالثة لجائزة باشراحيل للإبداع الثقافي؛ إذ يأتي في مقدمة تلك الدوافع اقتراب الإعلان عن أسماء الفائزين في هذه الدورة، وأنني قد شاركت في وضع لائحتها، وحصلت على واحدة من جوائزها الاستثنائية في دورتها الثانية، وأنني واحد من أعضاء هيئتها الاستشارية؛ لذلك تناوشت الحديث عنها من كثب تقديرًا لحاملها باسمه، و لمؤسسها برًا بوالده، ولردود فعل الجائزة المحمود عند من يقدر الثقافة العربية حق قدرها، وأنها قد بلغت درجة من النضج المتطور تستحق التحية عليه. * أكاديمي وناقد أدبي