* استمر حديث سائق التاكسي لكاتبكم .. وفق خريطة طريق .. رسمها بنفسه .. ولنفسه .. يروي بواسطتها .. الكثير من أحماله النفسية .. يستعرض بدون تحفظ .. يتكلم بجرأة وصراحة .. كأنه يعرفك من سنين .. وهذا شيء غير مستنكر .. مهنته حملته على ذلك .. يذكرني بأمين عام هيئة الأممالمتحدة .. يتحدث في كل شيء .. ومع كل شيء .. ومن أجل كل شيء .. وفي النهاية يخرج بدون شيء .. هناك من يملك هذا الشيء .. الحرية في هيئة الأممالمتحدة .. أن تترك للآخرين .. حرية الحديث عن هذا الشيء وكفى .. وهذه وظيفة التاكسي في جميع الديار .. سائق التاكسي يرى الناس بكثرة .. وهكذا أمين عام هيئة الأممالمتحدة . السائق يرى الناس يدخلون ويخرجون من التاكسي .. وهو ثابت في مكانه .. يستقبل ويودع .. الناس عنده ضيوف .. وعليه إكرامهم بالحديث .. كنتيجة .. يختلف حديثه من شخص إلى آخر .. ويظل الزبون هو المشغل لهذا السائق .. تعطيه الفرصة أو تمنعها بتجاهلك .. البعض يحتقر سائق التاكسي .. وينظر إليه بمنظار لا يليق بإنسان .. روى لي أحد السائقين .. أن الزبون الذي قبلي .. رمى بالأجرة (عند) قدميه .. تحقيرا وازدراء لشخصه .. لم يسلمه الأجرة مناولة .. هكذا البعض يعيش بمزيج من العدوانية والتكبر والغطرسة . السائق الذي برفقة كاتبكم .. تحدث بحرية الأسماك في البحار .. سمحت بذلك .. لكن لا أعرف كيف كانت البداية .. لمست من حديثه أنه يحاول خلق علاقة .. رغم كونها مؤقتة .. بهدف ترك الانطباع متوهجا .. هل هو الذي بادر بالحديث ؟!.. هل سيطر على كاتبكم بروح ونغمة السرد ؟!.. كان هذا السائق في وضع .. تغشاه رموز يمكن قراءتها .. كنتيجة بقيت أتابع بطرح الأسئلة .. أسعى لاكتشاف نفسي من خلال حديثه . ذا تحدث أي سائق .. عليك الإبحار مع فهمك .. أعط لنفسك مساحة واسعة للتأمل والتفكير .. تخيل أنك تعيش الحدث .. يروي سائق التاكسي الحكايات .. لزبائن عابرين في حياته .. يعبرون كالسحاب .. من مكان إلى آخر .. وفي هذه المسيرة .. قطف لثمرة انتظاره .. يجني أموالا .. يحددها صمت الطريق .. بالمقابل .. يصبح هو السحاب .. ينقلهم إلى حيث يهبطون .. لا يسأل لماذا ؟!.. وهذا رقي وحضارة .. لا ندرك أبعادها .. كنتيجة لا نمارسها . * يتجرع سائق التاكسي عالم صمته مع سيارته .. يسعد بطرف آخر .. يفهم ما يقوله دون إذن مسبق .. ولكي تعبر الأشياء كما يريدها .. يبدأ بترحيب العرب .. لا يهمه أشكال الناس .. وسحنهم ومعتقداتهم .. لا يهمه لبسهم وطريقة حديثهم .. وأيضا لياقتهم .. وحتى أوزانهم .. سيحملها التاكسي دون اعتراض .. تجمعهم لحظة المصلحة ويفترقون .. لا تهم حقائق الحديث وصدقها .. الهدف قطع صمت وحدته داخل التاكسي . كل زبون فرصة مستقلّة بذاتها .. قد يتأخر الزبون القادم .. وللسائقين روايات وقصص .. هل يقهرون برواياتهم رتابة انتظار الزبون ؟!.. هل يحاولون تنفيس معاناة (اللف والدوران) في الشوارع بحثا عن الزبون ؟!.. البحث عن زبون أقرب إلى مهنة الصيد .. ولكن بدون فخاخ قاتلة .. هل يتحدثون لتنفيس بخار غليان ذاتهم ؟!.. ارتفاع حرارة ضغطها .. يؤثر سلبا على نفوسهم المبتلة .. بكل صنوف الحاجات والمشاكل .. ماذا لو تربّع أحدهم على كرسي الرئاسة في البيت الأبيض ؟!.. هل سيشغل العالم بسرد الروايات والقصص والأحلام .. بدلا من دفق حمم النار والبارود ؟! جميعنا ذلك السائق .. نعايش .. نواجه .. نتجرع مشاكل مختلفة .. بطرق مختلفة .. بأحجام مختلفة .. نتحدث عنها مع الأصدقاء والمعارف .. بهدف التنفيس .. السائق يتحدث مع زبون .. لا تدوم معرفته سوى دقائق من العمر .. تنطفئ بعدها العلاقة .. خاصة في ظروف أمثال كاتبكم .. وهذه معاناة إضافية للسائق .. عليه التكرار حتى النهاية .. يعرف أن طريقه مسدود .. ورغم ذلك يعبّد طريقا آخر .. وهكذا لا ينتهي .. حديث ليس له ثمرة .. خاصة مع زبائن البريق المخادع .. وهناك من لا يكترث .. يتلقى الخدمة .. وينصرف .. دون رسم مفيد لتلك العلاقة العابرة المؤقتة . وجد سائق التاكسي كاتبكم .. أذنا صاغية .. متلهفة لتلقي كلامه .. متفاعلا مع وقع خطوات خرائطه .. انتباها ومتابعة .. كنتيجة استل خارطة جديدة .. وفردها أمام عقلي بكل شفافية .. شرح أنه تقدم بطلب سكن للأطفال الأيتام المسئول عنهم .. طواعية .. ورد ذكرهم في المقال السابق .. أبناء قريبة له .. تقدم بطلب سكن لهم .. إلى أحد مشاريع الإسكان الخيرية .. رفضوا طلبه .. بحجة أن أباهم بعد موته .. ترك لهم راتبا تقاعديا .. يتساءل: هل يكفي تقاعد لا يتجاوز الألفي ريال ؟!.. كررها بحرقة .. ويستمر الحديث بعنوان آخر .