الحديث مع سائق التاكسي.. استغرق وقتا قصيرا.. وهذه الحلقة السابعة.. والأخيرة.. هي الختام مع سائق التاكسي.. فراق بدون استنكار.. توديع بدون دموع.. بدون مشاعر أحزان.. بدون شوق للقاء آخر.. نذهب لحال سبيلنا.. لا نختلف في سلوكنا عن بقية البشر.. لا نحزن إلا على فقد الوجه المألوف.. كنتيجة.. لن نفتقد بعضنا .. ولم نفقد بعضنا.. لكننا في لحظات الوداع.. ندعو لبعضنا.. مسلمين.. ندعو لأنفسنا.. ولجميع إخواننا المسلمين.. ما أجمل الإسلام. ** وصلنا مشارف ارض منطقة النهاية.. هل تحس بوجودنا على سطحها.. وكبشر.. نحس بالأرض.. ندافع عنها.. نفتديها.. وهذا يعطينا الحق في بنائها.. والعيش من اجلها.. والحفاظ على ماء حياتها.. أخيرا طلبت تهدئة التاكسي.. حددت مكان النزول.. في النهاية كان أمر التوقف النافذ.. وقف في وسط الشارع.. كان خاليا من حركة المرور.. يعرف السائق أن التوقف لحظات.. سيمضي إلى جهة أخرى لم يخطط لها.. همه الثاني بعد تحصيل الأجرة.. البحث عن راكب آخر. اختفى التاكسي.. بقيت أرقام مؤخرته تدل على هويته.. بقيت في مخيلتي وهجا.. سرعان ما تلاشى.. تذكرني بالإنسان.. أصبح رقما في الحياة.. هذه لحظات الحياة.. الأجمل أن تحس باللحظات.. لكي تحس هي بوجودك.. اللحظات وهج يلتهمك أو تلتهمه.. التهمه كاتبكم.. أصبح سردا لقصة سائق التاكسي.. أصبح صورة في جدار حياتي.. نقلته إليكم.. ثقافة.. وموروثا.. ومؤشرا.. قد نختلف أو نتفق على مؤشراته. ** لم يتم الاتفاق مسبقا على الأجرة.. تساءلت كم هي الأجرة؟!.. ولابد انه كان يسأل كم سيدفع هذا الراكب؟!.. ليس هناك أجوبة في ظل عدم البوح.. لا يعرف أن كاتبكم أكاديمي.. وكاتب في جريدة «اليوم».. لا يعرف حتى الاسم.. بالتأكيد يستنتج سني العمر.. ويستطيع من اللهجة تحديد الكثير.. لم يخطر بالبال.. أن هذا السائق سيكون مادة لهذه المقالات. ** بعد التوقف.. سألته.. كم الأجرة؟!.. قال.. [الذي يجي منك خير وبركة].. كلمة مطّاطة.. ذكية.. لها تفسيرات.. إن أعطيت بسخاء.. فشكره جاهز.. لن يعيد الزائد عن الأجرة المتعارف عليها حسب الخبرة.. لن يعترض.. أنت من تبرع بهذا بالمبلغ.. إن أعطيت بأقل مما يستحق.. فسيكون الأمر مختلفا.. سيعمل على المطالبة بحقه كاملا.. جميعنا نعرف هذه المناورة.. بعضنا يدفع بسخاء.. حسب المزاج أثناء الرحلة.. حتى السائق مفاوض بارع.. يستطيع اختيار زبونه وفق مواصفات.. الخبرة التراكمية تعطي حق النجاح للبعض.. هناك ركّاب (يكاسرون) حتى النهاية.. لتوفير أي مبلغ. ** نزل كاتبكم من التاكسي.. وقفت على كامل بطن القدمين.. منتصب القامة.. يتطلع إلى الحياة.. وصلت سالما.. هذا من فضل ربي.. وقبل إعطائه الأجرة.. تأكدت.. من أن عقلي معي وليس داخل السيارة.. الأهم من العقل.. التأكد من السيطرة على الجوال في يدي.. أصبح الجوال ملازما للفرد.. أصبح جزءا من حلية الرجال والنساء.. وكل جيل بحلية خاصة.. وكان السلاح من حلية جدي وأبي.. أحزمة خناجرهم ما زالت تتصدر البطن في بعض المناطق.. كجزء من أدوات العرضة.. بجانب صوت الزير العظيم.. صوت يروي عطش النشامى.. في ميدان وساحة العرضة.. رجولة نافرة.. وكلمة مؤثرة صادقة.. ومشاعر حية معطاءة.. هي العرضة.. الجميع يشترك في إيقاعها.. يغسلون أنفسهم.. موروث الجميع.. الأكاديمي وسائق التاكسي. ** دفعت الأجرة.. وكانت للسيارة.. ولمتعة الحديث والرفقة.. وللأيتام أيضا.. دعا لكاتبكم من أطيب الدعاء.. الأمر الذي جعلني أبحر سعادة في سماء الدنيا.. كريشة.. لا تحمل سوى نفسها.. ذهب في طريقه إلى الأمام.. بقيت واقفا.. أتأمل مؤخرة التاكسي.. ابحث عن شيء لا اعرفه.. حتى السيارات لها مصممون مبدعون.. كنت ابحث عن صورة الحقيقة.. لم احدد كنهها.. مع كل لحظة.. أجد أن لكل حركة تفسيرا وشرحا.. يقودها العقل الباطني دون علمي. ** اختفى التاكسي.. بقيت أرقام مؤخرته تدل على هويته.. بقيت في مخيلتي وهجا.. سرعان ما تلاشى.. تذكرني بالإنسان.. أصبح رقما في الحياة.. هذه لحظات الحياة.. الأجمل أن تحس باللحظات.. لكي تحس هي بوجودك.. اللحظات وهج يلتهمك أو تلتهمه.. التهمه كاتبكم.. أصبح سردا لقصة سائق التاكسي.. أصبح صورة في جدار حياتي.. نقلته إليكم.. ثقافة.. وموروثا.. ومؤشرا.. قد نختلف أو نتفق على مؤشراته.. قصة سائق التاكسي.. ستموت مع موتي.. هي الحياة.. الإنسان مكتبة ضخمة لكل شيء.. موته أشبه بحريق لهذه المكتبة.. يذهب الجسم.. ويذهب معه كنز مكتبة ثمينة لا يراها أحد.. ولا يستفيد منها أحد.. بعد طلوع ضياء الروح من هذا الجسد. ** دفعت الأجرة عن طيب خاطر.. دون مناقشة.. دون مساومة.. حملني دون اتفاق مسبق على الأجرة.. ثقة متبادلة.. مضى ومضيت.. طريق جديد نجهل أبعاده.. لفت انتباهي وقوف التاكسي بالقرب من لوحة.. مغروسة في طرف الشارع.. كتب عليها (بدأ البيع).. بقيت أتأمل وضع العرب في هذه اللوحة. [email protected]