* تسابق الكلمات في فمه ، بعضها يخرج من فمه ، وبعضها تستقر على لسانه ، الكلمات التي تخرج من فمه يحاول أن تكون سليمة المعنى إلى حد الرضا ، والكلمات التي تستقر على لسانه يحاول أن تكون واضحة المعنى له دون أن تمس أحداً بسوء ، وبين الكلمات التي تخرج ، والكلمات التي تبقى يعيش في حيرة ! الكلام الذي في صدره يبدو أحياناً أكثر من الورق الذي يحمله معه كل يوم ، فينتابه أحساس بالضيق فيما لو حاول تدوين هذا الكلام على الورق ، الذي لن يكفي لجزء منه ، والورق الذي يحمله معه كل يوم يبدو أحياناً أكثر من الكلام الذي في صدره ، فينتابه إحساس بالضيق من هذا الورق الكثير ، وعدم استطاعته ملء هذا الورق بالكلام القليل في صدره . ويتبادل العتاب لحظة باتجاه الكلام ، ولحظة باتجاه الورق ، ويشعر أحياناً أن امتلأ صدره بالكلام يجعل الورق الذي معه يبدو قليلاً ، ويشعر أحياناً أخرى أن كثرة الورق الذي معه يجعل الكلام الذي في صدره قليلا . والكلام ليس له ذنب في نقص الورق ، والورق أيضاً ليس له ذنب في نقص الكلام إنما هو شعور غامض ، غريب ينتابه بين اللحظة والأخرى ، يجعله يطرح على نفسه هذا السؤال: هل الكلام الذي في صدره أكثر من الورق الذي يحمله معه ، أم أن الورق الذي يحمله معه أكثر من الكلام الذي في صدره ؟! يصمت صمتاً يشبه الكلام ، ويتكلم كلاماً يشبه الصمت ، يسأل ، ويرد على نفسه: كان الورق رخيصاً ، والكلام غالياً ، صار الورق غالياً ، والكلام رخيصاً ، كيف يبدو الوضع مقبولاً ؟ يبدو الوضع مقبولاً ، ويبدو غير مقبول ، يبدو مقبولاً لو قسنا من يستخدم الورق ، ويبدو غير مقبول لو أفسد غلاء الورق قيمة الكلمة . حينما كان الورق رخيصاً ، والكلام غالياً كان (ذوق الكتابة) رفيعاً ، وحينما صار الورق غالياً انعكست الأمور فأصبح (ذوق الكتابة) متدنياً ، كثر الذين يستخدمون الورق فارتفع ثمنه ، وهبط ثمن الكلمة . كان التركيز كله يتم على مدى استيعاب الورق للكلام ، صار التركيز على مدى استيعاب الكلام للورق ، ساءت المفاهيم فساء الكلام . ساءت ، أم فسدت ؟ ساءت ، سوء الاستخدام أدى إلى سوء الكلام .. كمن يشتري ثوباً جميلاً ليرتديه شخص آخر غير جميل (تصوروا كيف يكون شكل هذا الشخص داخل هذا الثوب الفضفاض ، اللامع) .. اقتربنا قليلاً من (سوء الفهم) ، وابتعدنا قليلاً عن (سوء الظن) !.