كتاب ينضم إلى الكتب التي تقوم على الدراسة المتكاملة للموضوع الذي تطرحه ، من حيث الفكرة ، وتاريخها ، وملابسات نشأتها ، وسبب انتشارها ، والهدف الذي انطلقت لتحقيقه ، ومالها من إيجابيات في مكان نشأتها ، وسلبيات في الأماكن التي تُصدَّر إليها. إستطاع الباحث وليد بن صالح الرميزان في كتابه هذا بعنوان (الليبرالية في السعودية والخليج .. دراسة وصفية نقدية) أن يضع بين يدي القارئ مفهوماً واضحاً متكامل الجوانب لمصطلح -الليبرالية- من حيث نشأتها في المجتمعات الغربية ، وظروف هذه النشأة وأسبابها ، ومن حيث مجالات الليبرالية والقيم الجوهرية الخاصة بها ، ومن حيث الأساس الذي قامت عليه الليبرالية الغربية ، ألا وهي (العَلمانيّة) ومعها العقلانية ، والنفعية والنسبية والتعددية ، ومن حيث التطور التاريخي لليبرالية ؛ ومظاهرها المعاصرة ، ومراحل تطور الفكر الليبرالي في العالم العربي الذي قام على أسس الليبرالية في بلادها الأصلية ، فكان سبباً في نشأة عدد من المدارس التي تخدم التوجُّه الليبرالي في العالم العربي ، وهي 1- المدرسة العلمانية التوفيقية التي يمثلها كل من (لطفي السيد) و (طه حسين). 2- المدرسة القومية التي يمثلها كل من (ساطع الحصري) ، و (قسطنطين زريق). 3- المدرسة العلمانية التغريبية الرافضة لروح التوافق الإسلامي ، والمنادية بنشر القيم الأوروبية بدلاً من الثقافة السائدة ويمثلها (سلامة موسى) و (فرح أنطون). وتحدث الكاتب عن جوانب كثيرة لها علاقة بالليبرالية المعاصرة في عالمنا العربي ، رابطاً بينها وبين الأحداث الكبرى التي تمر بها منطقتنا العربية ، خاصة بعد احتلال العراق ، وخلط الأوراق فيه ، والعمل على تكثيف الحملة الإعلامية ، والثقافية المصاحبة لهذا الاحتلال ، تلك الحملة التي أحدثت فوضى في الساحة العربية المسلمة ، والساحة الخليجية المحافظة التي تشكل المملكة العربية السعودية مركزها ، وأنموذجها الأقوى. وإن مما يسجل لصاحب هذا الكتاب قيامه بالتحقيق، والتوثيق، وأساليب البحث العلمي التي ترصد وتتابع وتجمع المعلومات من مصادرها الصحيحة ، وتعتمد الموضوعية ، والوضوح ، وتبتعد عن تحكم العاطفة ، والآراء الشخصية ، فقد تجلَّى ذلك في فصول الكتاب بصورة واضحة ، مما جعله مؤهلاً للاعتماد عليه في معرفة أبعاد ومرامي وخطوات الليبرالية في منطقتنا العربية والخليجية ، وهذا الأسلوب البحثي الموثق هو الأسلوب الذي استخدمه الدكتور عبدالله الغذامي في محاضرته الأخيرة عن الليبرالية السعودية حيث وظَّف -باحثين مستقلِّين- لجمع المعلومات الدقيقة في هذا الموضوع وهو الأسلوب الأمثل الذي يضع الحقائق بين يدي الناس دون تشويه أو تغيير أو تهويل وتضخيم. إن هذا المنهج ليشعرنا بقيمة وجود مراكز جادة لتقديم الدراسات التي تخدم الحقيقة ، وتنفع عامة الناس ، كما تفيد الحكومات في اتخاذ القرارات المناسبة في الأوقات المناسبة ، وتقلِّل من احتمال وقوع الأخطاء التي قد تكون سبباً في الإرباك وزعزعة الاستقرار. بعد قراءتي لكتاب (وليد الرميزان) ، قلت داعياً : اللهم اهدنا إلى الحقَّ ، ودلّنا على الصواب ، وبصِّر ولاة أمرنا وعلماءنا ومثقّفينا بمواطن الحق ، وأهدهم سواء السبيل. إشارة : إذا كان من عُسْرٍ علينا، فإننا=لنؤمن أن العُسْر يُفضي إلى يُسْرِ