الدكتور عبد العزيز خوجة وزير الثقافة والإعلام مثقف وشاعر قبل أن يكون دبلوماسيا وسفيرا ووزيرا، ولهذا فهو قطعا قرأ رسالة الغفران للمعري وكل ماتلاها من مؤلفات تأثرت بها لعل أبرزها "الكوميديا الإلهية" لدانتي في القرن الثالث عشر الميلادي، وهو قطعا – أيضا – قرأ كتاب الدكتور غازي القصيبي "حياة في الإدارة" الذي رصد فيه تجربته الإدارية والوزارية في وزارتين بما فيها من نجاحات ومرارات وإخفاقات، ومع أن الدكتور خوجة أراد أن يرصد جوانب من معاناته الإدارية في وزارة الثقافة والإعلام الحالية، إلا أنه اختار أسلوب المعري ودانتي في التموضع الزمني في المستقبل فقفز ثمانين عاما إلى الأمام ليتحدث عن معاناته الحاضرة في مقالة عميقة معبرة نشرتها "إيلاف الإلكترونية" يوم الاثنين الماضي، وقبل أن أتوقف عند بعض إشارات المقالة أود أن أعبر عن أملي في أن يستمر الدكتور في عرض تجربته الإدارية بهذا الأسلوب المستقبلي فهو من ناحية هذا التكنيك سيكون – فيما أعلم – أول وزير في التاريخ يرصد تجربته بهذا الأسلوب فالمعري ودانتي وغيرهم كانوا معنيين بقضايا فكرية وعقائدية في أزمنتهم، أما التجارب الإدارية والوزارية فلم يسبق كما أعرف أن عالجها أحد على هذا النحو الذي بدأه الوزير خوجة والذي أرجوه أن يحيله إلى مشروع كتاب سيكون له شأن، فالإطلالة المتخيلة من تخوم المستقبل القريب تتيح الفرصة الواسعة لتشخيص المعاناة على الأقل إن لم يتسنى توقع العلاج أو فرضه من قبل عجلة الزمن. وسأتوقف في البدء عندما يمكن اعتباره طرفة من الوزن الثقيل التي لابد أن يضحك كل من قرأها سيما أن المقال يتحدث عن عام 2090 القادم أي بعد ثمانين سنة وإليكم مقطع الحوار الطريف بين وزيري الثقافة والإعلام – وزيرنا خوجة ووزير عام 2090: "قلت ضاحكاً: بلاش تكمل، ماذا عن الأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون؟ قال: آآه. هناك مشكلتان، المشكلة الأولى: أننا خصصنا 454 مليار ريال للأندية الأدبية ولم تكف، وخصصنا 545 مليار ريال لجمعية الثقافة والفنون ولم تكف... قلت محتجاً: نعم!!، كم مليار؟؟! لازم يحمدوا ربهم. بعدين كم ميزانية الدولة؟. قال: يا الله. أنت رجل من الماضي صحيح، سيتغير العالم يا عزيزي، الغلاء يستشري، المليار دولار في زمننا يساوي مئة ألف دولار في زمنكم. قلت: الله ينتقم منك، العالم مو ناقصة أخبار سيئة. بالمناسبة كم سعر الصرف؟. قال: 3.75. قلت: الحمد لله." خوجة قدم جوانب من معاناته الآنية مع فسح الكتب في معرض الرياض الدولي للكتاب ومع الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون ويبدو أن المشكلة تكمن في رغبة الوزير في إرضاء الجميع مع أن خلفه القادم في عام 2090 قال له رضاء الناس غاية لا تدرك، أما معاناته مع بنود وزارة المالية فإن أطرف ما فيها توقعه أن تظل معضلة حتى مع خلفه بعد ثمانين سنة، وقبل أن أنهي المقال فقد أعجبني مسمى "وزارة الدردشة والتدوين" وأقترح أن تكون عنوانا لكتاب الدكتور خوجة المنتظر بحيث يكون عنوانه "رسالة الدردشة والتدوين" على غرار "رسالة الغفران"، أو "الكوميديا الإدارية" على غرار " الكوميديا الإلهية".