صبّ القهوة ، تلك الحرفة القديمة والمطلوبة على نطاق واسع في الجزيرة العربية والخليج لانجد المهنة رائجة في الشام ومصر. صبّاب القهوة الآن خدمة مطلوبة عندنا في الأفراح والأتراح (جلسات استقبال المعزين ) . وعلى من أراد استقبال المعزين (المكلوم ) - بالإضافة إلى أحزانه.. ! ، أن يبحث عمن يقدّم الخدمة. ونرى دائما في الإعلانات الصحفية البارزة مفردة (صبّابين) وكذلك صبّابات عملهم فقط " صبّ " القهوة. واعتادت بعض الأسر أن تُعلم أولادها منذ الصغر الطريقة المثلى لصب القهوة وكيفية حمل الدلة باليد اليسرى واتقاء حرارتها بواسطة (البيز) وهو قماش محشو ومطرز بطريقة جذابة . وفي الدلة القهوة الحارة . وهذا يبدو صعبا للمرة الأولى ، ويسهل مع التدريب والممارسة . ثمّ تعليم الفتى الصبّاب عدم إعطاء ظهره للجالسين في رأس المجلس ، بل عليه أن يدير القهوة متحركاً إلى الوراء (سواء كانت الجلسة عربية أو مع وجود الكراسي) . تأتي بعد ذلك - في هذه الدورة المكثفة ! - عملية حمل عدد وافر من فناجين القهوة في اليد اليمنى ، وتلك لمن لا يعرفها مهمة ليست سهلة . والبعض يأخذ درجة " تخرّج " أعلى لو استطاع خشخشة الفناجيل أو قعقعتها بطريقة مفعمة بالحيوية والنشاط ، لتنبيه الضيف وإعلان حضوره واستجلاب شهوة الضيف وميله إلى القهوة. لا أدرى لماذا لم توافِنا اليابان أو كوريا أو الصين أو غيرها حتى الآن ببشرى ميلاد إنسان آلي (روبوت) يقوم بخدمات مثل تلك؟ وأسهل ما في الأمر لو دخلت تلك التقنية أن الصباب أو الصبابة يسير بخط مستقيم ، لاترى عوجاً فيه ولا أمتا ، أي أن بإمكان الحاسة الضوئية للصبّاب الآلي أن تعرف إذا كان الضيف قد اكتفى من القهوة أم لا يزال يرغب المزيد بقراءة حركة (بَسْ) .. ! التي يؤشر بها الضيف ، كما يمكن تسجيل كلمة " تقهو " . قد يبدو هذا الأمر شيئاً وراء الخيال ، لكن كل المخترعات الحديثة جاءت عبر تصوّر وخيال ثم تطبيق.. وراجت قبل عقود أغنية شعبية تقول : يالله صبوا هالقهوة وزيدوها هيل . واسقوها للنشامى عاظهور الخيل . ولا زالت تُسمع كإعلان غير موفق . وكان على صاحب الكلمات أن يُدرك أن زيادة الهيل تأتي " قبل " صب القهوة . ثم هل ضاقت الأرض حتى يشرب الرجال قهوتهم على ظهور الخيل ؟ أيّ مزاج هذا ؟ وكيف يستطيع مسك الفنجان والتمتع بطعم القهوة؟!