ما هي أعظم لحظات السعادة التي يمر بها الفرد بالمقياس الدنيوي؟ هناك بلا ريب لحظات كثيرة لكن كثيراً منها مؤقت يزول سريعاً كلحظات الزفاف والإنجاب والتعيين على وظيفة والترقي في مدارجها وتزويج الأبناء والبنات والفوز بثروة كبيرة وشراء سيارة فارهة جديدة وسكنى دار عامرة وغيرها من اللحظات الجميلة. لكن لحظات السعادة التي تدوم طويلاً هي لحظات العطاء الذي يدوم طويلاً. والعطاء هو الذي يُترجم إلى فعل تنشأ جراءه حالة من التغيير الإيجابي الذي ينقل إنساناً من حال إلى حال. تغيير ينقل نفساً إنسانية من حال الفقر إلى حال الستر، ومن حال الجهل إلى حال العلم، ومن حال الضعف إلى حال الاعتماد على النفس. ولذا لا تستغربوا دعوة بيل غيتس ووارن بافيت (وهما الأكثر ثراء على مستوى الولاياتالمتحدة، ومن الخمسة الأوائل على مستوى العالم) زملاءهم من أصحاب المليارات الكثيرة إلى التبرع بنصف ثرواتهم في حال حياتهم، بل إن وارن بافيت البالغ من العمر 79 سنة ضرب من نفسه مثلا، فتعهد بالتبرع بكل ثروته عدا 1% ينفق فيها على نفسه وزوجه حتى مماته، أي أنه سيتبرع بمبلغ 46 ملياراً ونصف المليار دولار، مبقياً لنفسه ما يعادل نصف مليار فقط. ولو وسوست نفس أحد كبار أثريائنا له فعل الشيء نفسه (وتلك وسوسة نادرة جداً)، فإن صكوك الحجر ستكون جاهزة، ودعاوى الخرف مؤكدة، ومجموعة الشهود حاضرة!! هل يا ترى يقيم هؤلاء الأثرياء الأمريكان الحجة علينا عموماً، وعلى معاشر الأثرياء المسلمين خصوصاً؟ لماذا يسارع هؤلاء إلى البذل والعطاء في حين يحجم رجالاتنا الأشاوس؟ لماذا يتبرع هؤلاء بنصف ثرواتهم، وهم يعيشون في واحدة من أغنى دول العالم مقارنة ببلاد المسلمين التي تعج بالفقراء والمساكين؟ وبالمناسبة، فمعظم دولارات بيل غيتس تذهب إلى برامج التعليم والرعاية الصحية، وللتعليم بالنسبة لغيتس أهمية خاصة، فهو يدرك أن التعليم الجيد هو خير طريق نحو حياة أفضل للمجتمع كله، وله أيضاً فلسفته الخاصة في تعريف التعليم الجيد إذ لا يكون جيداً إلا إذا ساعد على فتح آفاق المتعلم نحو عالم من الفرص الوظيفية أو المهنية.