كثيرة هي الأشياء المفجعة والأخطاء الكبيرة والتقصير الفاضح التي تكون مختفية ولا يعلم عنها كثير من الناس، إما بسبب عدم البحث عنها وعدم الاهتمام بمعرفة التفاصيل حولها، أو أن هناك من يسعى إلى التكتم عليها والتستر عمداً للحيلولة دون نشرها ومعرفتها من العامة وتضليل الرأي العام حولها، وهذا هو الراجح عند كاتب هذه السطور والأقرب إلى العقل والمنطق، أما القول بعدم البحث عنها فذلك مستبعد لكون الأمر خطير ونتائجه مفجعة لكثير من الناس، وقد يعتقد الضحية أنه الوحيد الذي وقع عليه الخطأ وليس مستشرياً بين الناس. وبالمقابل نجد العكس من ذلك فهنا بعض الأخطاء التي تأتي عرضية ومن جملة الأخطاء التي تقع من موظف عادي ولكن بعض الأقلام تجعلها كارثة وتدعو بالويل والثبور على صاحبها، ولا تترك في قاموس لغة الاستعداء كلمة إلا وتستعملها في نقد هذا الخطأ. ما تقدم من السطور كان وليد لحظة تفكير فيما يحدث على الساحة من بعض الكتاب بصفة خاصة وبعض المسؤولين في الصحافة حيال تناولهم بعض الأمور التي تتم معالجتها من خلال تلك الصحف سواء مقالات أو تحقيقات صحفية أو أخبار يومية، فيتم التشهير والاستعداء على بعض الجهات حينما يحدث من منسوبيها خطأ غير مقصود، بينما يتم التكتم والتستر على بعض الجهات، وقد يصل الأمر إلى حدّ المغالطة في أشياء كان من الأولى والأحرى ومن مقتضى واجب الأمانة أن يعرفها العامة وتنشر للناس من باب العلم على الأقل، فربما تقوم تلك الجهات على تلافي وقوع هذه الأخطاء، وضمان عدم تكرارها. نشرت هذه الصحيفة الغراء يوم 25/ 7/ 1431ه تحقيقاً صحفياً جاءت مضامينه مفجعة مخيفة ويمكن أن يطلق عليها أنها كارثية. فقد جاء في التحقيق أن (2500) حالة وفاة في المملكة سنوياً بسبب الأخطاء الطبية " هذه الإحصائية المفجعة تدل على أن هناك سرّاً كبيراً في عدم الإفصاح عن هذه الإحصائيات والتكتم عليها لولا قيام هذه الصحيفة بمثل هذا العمل وهو عمل يصب في مصلحة الوطن والمواطن، ويدلل على مصداقية الصحيفة وعدم سعيها للتكتم على مثل هذا الأمر متى علمت بذلك، وهذا التحقيق أكد فيه المراقبون بأن الأخطاء الطبية التي تشهدها المستشفيات السعودية أكبر بكثير من الإحصاءات التي تصدرها وزارة الصحة. ويرى الدكتور محمد الخازن، أن المشكلة تكمن في انعدام الرقابة ودقة رصد الأخطاء الطبية التي تقع. فالجزء الأكبر من المشكلة يعود إلى أن أخطاء كثيرة تقع ولا ترصد، بسبب قصور في الرقابة على الأطباء". واتضح في دراسة أجريت على إحدى المدن الطبية الكبيرة أن 41% فقط من الأطباء يلتزمون بتحديد آلام المريض بشكل دقيق، وأن ملفات المرضى لا تستكمل فيها معلومات المريض الضرورية، وهناك سوء في النظام. فأكثر الأطباء يرتكبون الأخطاء ولا يُكتشفون، كما أن الأطباء المتعاقد معهم من الخارج إمكاناتهم محدودة ولا يعرفون حتى الأدوية الموجودة في البلد". ويتهم الخازن الذي شارك في تأليف كتاب "المشهد الصحي السعودي" النظام الطبي في السعودية بالغموض وعدم الدقة كما أن العقوبات التي تتخذ بحق الطبيب المخطئ ضعيفة، فتغريم الاستشاري 2000 ريال ومرتبه مرتفع لن يهتم بهذه الغرامة البسيطة. فلا بد من عقوبة رادعة. " ويقول الدكتور ناصر العود " إن الأرقام كبيرة جداً. فوفاة مثل هؤلاء بأخطاء طبية أمر خطير، وما بالك بالأخطاء الأقل؟ فهناك أخطاء كثيرة لا يفصح عنها. وأسباب الأخطاء بسبب سوء إعداد الأطباء وعدم المراقبة، وأن الأخطاء متوقعة في ظل ممارسات الكثير من الأطباء وهوسهم بالعمل في القطاع الخاص بحثاً عن المزيد من المال. فما تدفعه المراكز الخاصة أضعاف ما تدفعه الحكومية منها. لهذا بات الأطباء يعملون أكثر من المعتاد للحصول على رواتب أكبر". هذا التحقيق الصحفي ومضامينه المفجعة والحالات الكثيرة التي تم التكتم عليها حتى الآن هل يمكن مقارنتها بوقوع تلك الأخطاء القليلة النادرة التي لا تكاد تذكر من بعض منسوبي هيئة الأمر بالمعروف والتي تجعل منها بعض الصحف والكتاب المغرضين حديثاً يومياً تستدعى فيه العبارات الكبيرة الرنانة والمطالبة بإلغاء هذه الجهاز بالكلية، فهل يعقل أن نطالب بعد هذه الإحصائية بإلغاء المستشفيات قياساً على مطالبتهم بإلغاء الهيئة، وهل سنسمع منهم المطالبة بمحاسبة الفاعلين لهذه الأخطاء محاسبة شديدة كما طالبوا برؤوس أعضاء الهيئة. اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة