ما المرض؟!.. سؤال بريء.. لكنه يقدم لمساحة واسعة من التأمل.. بالتأكيد هناك أجوبة كثيرة.. المرض يصيب الأفراد.. والأمم.. والحضارات.. وحتى البيئة.. هناك من يعاني المرض وهو لا يعلم.. اخطر الأمراض قاطبة هو مرض انحطاط الأمم. بعيدا عن سياحة التعريف بالمرض.. أنقلكم إلى أجواء المالطية.. تعطي مناخا مختلفا للمعاناة.. في يوم الأربعاء (11-7-1431) الموافق (23-6-2010).. تم تأكيد مرض المالطية في جسم كاتبكم. بقي السؤال الكبير.. من الذي يحمل الآخر؟!.. هل المالطية تحمل كاتبكم أم انه يحملها؟!.. سؤال عجيب.. هل يدل على آثار الحمى المالطية.. في ظل انتشارها.. أمام عين وزارة الزراعة؟! وجدت نفسي مجبرا على التحرك بها من مكان لآخر.. القضاء على المالطية هو الهدف.. مع هذا الوضع، هي التي تحملني.. في نفس الوقت، وجدت نفسي احملها من مستشفى إلى آخر.. حملتني على حملها.. الهدف في النهاية لا يتغير.. جميعنا في سباق .. من يقضي على من.. أولا؟! قابلت الطبيب الجديد.. بفعل التشخيص تحول ملفي الطبي بين يديه.. استقبلني استقبال الفاتحين.. لا ادري هل حرارة الاستقبال كانت لكاتبكم.. أم أنها كانت لبكتريا المالطية في جسمي؟! حدد الدواء.. شرح انه سيستمر لمدة شهر.. نوعين من الحبوب.. قد تكون مضادا حيويا.. طلب مني عمل فحص للدم يوم الاثنين (16-7-1431).. ودعني دون تعليمات أو توجيهات.. سلمني بطاقة عليها تلفونه واسمه.. ذهبت إلى صيدلية المستشفى.. دفعت.. وبكثير من الأسئلة.. حملت الدواء إلى البيت. الوقت الآن الثالثة والنصف عصر يوم الأربعاء.. كنت وحدي بدون مرافق.. تلقيت العديد من المكالمات التلفونية.. كانت تسأل عن النتيجة.. أبلغت الجميع بأنني أصبحت مملوطا.. ساد الرعب في النفوس.. كان أول سؤال : هل هو مرض معد؟!.. ولكم أن تتخيلوا نتائج الإجابة الايجابية عن هذا السؤال الفلتة. كنت قد سألت الطبيب نفس السؤال.. موضحا طبيعة عملي.. أكد الطبيب انه مرض غير معد.. قلت هذه إحدى حسنات المالطية.. تضرب في جسم حاملها فقط.. بكتريا تتوسع بزيادة أعدادها في الجسم.. وتنعكس هذه الزيادة على أحوال الجسم.. حتى يصبح غير قادر على المشي في مراحل التوسع العظمى. وصلت البيت في حوالي الساعة الخامسة مساء.. تناولت أول حبّات الدواء.. ثم ذهبت في رحلة مع النوم الطويل.. استمرت إلى صباح يوم السبت.. في هذه الرحلة الاستثنائية.. تجرعت الكثير من الشدائد والمحن.. لا تختلف عن محن وشدائد الأمة العربية مع العدو الإسرائيلي. صرف الطبيب الدواء المالطي فقط.. لم يتحدث عن الحرارة.. تجاهل كل شيء.. ارتفعت حرارة جسمي.. وصلت إلى رقم قياسي مخيف.. الكل حولي يقول : عليك بالبطل (البندول).. وكاتبكم يقول : لا (بندول).. لا يوجد تعليمات بتناوله. في الليل.. وأمام ضغط ارتفاع الحرارة وإصرار الأمة حولي.. طلبت منهم إعطائي بطاقة الطبيب للاستعانة برأيه.. فوجئت بأن البطاقة لا تحمل سوى تليفون المكتب.. تليفونه الجوال لم يكن موجودا.. بعكس الطبيب الذي تولى أمري وقت الدخول.. زودني ببطاقته الشخصية وعليها جميع تليفوناته. في يوم الخميس ارتفعت الحرارة مرة أخرى.. في هذه المرة.. قررت الاستعانة بصديق الأمة.. وحبيب قلبها ال(بندول).. امتدت الاستعانة إلى صباح يوم الجمعة.. توقفت عن تناول البندول.. لابد أن اكتشف مفعول دواء المالطية.. شعرت مساء الجمعة.. بليلة السبت أن الأمور في تحسن.. معها تمنيت للأمة العربية التحسن من عثراتها وأمراضها. ثم جاء السبت.. لابد من الذهاب إلى العمل.. لدي امتحان للطلاب.. حملت نفسي المنكسرة والمتعبة والثقيلة.. بوجه كله شحوب ومعاناة.. بعيون منهكة الطالع.. وصلت العمل.. أخبرتهم بأنني (مملوط). تجمعوا حولي غير مصدقين.. طلبوا مني الراحة والجلوس.. احضروا فريقا للمراقبة.. تفاعلوا بشكل جعلني ابتهج لانكسار نشوة المالطية.. انظري هؤلاء هم ربعي وليس لك ربع حولي. تجمع الطلاب حولي.. أولادي.. تلقيت منهم الكثير من الدعاء والتعاطف.. شحنوا همتي بالقوة والتطلع والعزم للحياة.. زرعوا الثقة.. التعامل مع الشباب يعطي الأمل.. يعزز التفاؤل.. وينبئ بقوة المستقبل.. في النهاية، انقضى يوم السبت على خير.. دون ارتفاع شديد في الحرارة. جاء يوم الأحد.. والاثنين.. أوضاع حرارة الجسم تبشر بالخير.. في صبيحة يوم الاثنين ذهبت لمختبر المستشفى لعمل تحاليل الدم.. رجعت إلى البيت منتظرا النتائج في يوم الثلاثاء.. الانتظار مرض آخر خطير.. كم من الأشياء ينتظرها العرب؟!