يتحدث الأطباء بلغة متخصصة غير مفهومة للمريض .. أحيانا بغموض وكأنه متعمد .. يعطون إشارات مبهمة.. يتجاهلون التفاصيل .. إشاراتهم تعطي الاحتمال ونقيضه.. لا يحملونك إلى بر اليقين.. ونسأل : أين الحقيقة؟!.. فنذهب في رحلة خارج القدرات.. ننتظر قدوم الأسوأ.. لكن هل على الطبيب أن (يهذري) للمريض بكل شاردة وواردة؟! ** في سادس يوم لاكتشاف المالطية.. قال الطبيب : مع بداية اكتشافها.. كان هناك ثلاثة ألوية حربية.. (هكذا سميتها).. من بكتريا المالطية في جسمي.. بعد ستة أيام من الاكتشاف.. وصل عدد هذه الألوية الحربية إلى (19) لواء. **زاد عدد البكتريا المالطية.. انتشر غبارها وتوسع في جسمي.. لكنه قدم حزمة من صنوف التهدئة.. قائلا : عند بعض المرضى، يصل عددها في الجسم إلى أكثر من (100) لواء حربي. ** شيء نفهمه.. لكن لا نفهم سبل التصديق.. في العالم الثالث لنا قوى محدودة.. خاصة مع التخيل.. لا نعرف التعامل مع تلك الأرقام الصحية.. كنتيجة، نوظف القياس لمحاولة الفهم.. ويظل قاصرا.. هل تحدث الزيادة في حال تأخر اكتشافها؟! **كل شيء يمر بسرعة.. عليك هز الرأس.. وتقبّل الاكتشافات كما هي.. تشبه حديث (ناسا) عن المريخ وآمالها عن اختراق الكون. **كيف تحصل الزيادة في البكتريا المالطية وهي تحت السيطرة؟!.. تجاهل الطبيب السؤال.. انتقل إلى موضع آخر.. هل الدواء الذي صرفه.. هو بالفعل للقضاء على المالطية؟!.. أم للسياحة في ربوعها؟!.. ويظل محرك المرض يعمل لصنع الأسئلة دون توقف. **نعود إلى الشيء المزعج الذي ظهر في تحليل سادس يوم من اكتشاف الإصابة؟!.. وبناء على فهمي، هناك جيوش حربية في الدم.. لا تختلف عن الجيوش العربية التي نسمع عنها.. يطلقون عليها : كريات الدم البيضاء.. يقولون مهمتها حماية الجسم.. ويبدو من حديث الطبيب أن هناك مكونات تم استنزافها من كريات الدم البيضاء.. خلل واضح.. أثار قلق الطبيب على مصير هذه التكوينات المهمة والضرورية لحياة الجسم.. كما يدعي. **تناقصت خلال الأيام الستة الأولى من اكتشاف الإصابة.. فجأة تذكرت حرب الأيام الستة التي حدثت للعرب فيما يعرف بنكسة (67) الشهيرة.. هل يواجه كاتبكم نكسة صحية أخرى؟! سألت : كم عدد الضحايا من هذه الأجسام الباسلة؟!.. قال : كانت في التحليل الأول لاكتشاف المالطية (1100).. ولكنها الآن (800).. ثم زاد قائلا : المفروض ألا تقل عن **(1000).. ادعى أنه لا يعرف السبب.. هل نرخي أم نشد الحبال؟! **أدركت حينها أن الكوارث العربية تحصل بسبب الاجتهادات.. خالجني بعض الشك والريبة.. هكذا نحن العرب نعيش بنظرية المؤامرة.. رأيت انه يعرف.. هل يتجاهل لغرض في نفس يعقوب؟!.. **إن بعض الظن ليس إثما.. حتى مع نقلي إلى طبيب ثالث.. متخصص في أمراض الدم.. رأيت المؤامرة حتى وإن لم تكن.. هل بدأ فجر الحقيقة يلوح؟!.. قال : سيذهب في إجازة لمدة أسبوعين.. أكد أن الطبيب الجديد سيتولى الأمر في غيابه.. هل أصبحت لعبة لتسلية الأطباء في المستشفى؟! **عندما يصبح المريض سلعة في قاموس الأطباء.. فهذا يعني انعدام وخز الضمير.. وعندما يصبح المرض تجارة.. فهذا يعني ضياع حقوق المريض.. هكذا يكون القلق والفاجعة. **غموض جديد.. نفق ورحلة جديدة.. ضياع وتساؤلات جديدة.. ميعاد وفحص دم آخر بعد أسبوع.. وميعاد مع طبيب ثالث.. ماذا يجري؟!.. زادت معاناتي وحيرتي وقلقي.. كلما فكرت في وجود مرض آخر جديد. **وسط الاحتمالات.. تساءلت عن حقوق المواطن الصحية عند بعض الوزارات.. جهات مسئولة لا تهتم.. وهذه المالطية تنتشر وتتوسع.. تضرب دون تحفظ.. ماذا يمكن أن يفعل المواطن؟!.. محاربة المالطية من مهام وزارة الزراعة.. في ظل التقاعس.. والإهمال.. والتجاهل، المالطية تنتصر. **على أية حال.. طلبت مقابلة طبيب أمراض الدم فورا.. استقبال حافل.. ابتسامات تغذي الحيرة.. نظرات لها تفسيرات.. شرح الطبيب الثاني حالتي للطبيب الثالث.. بدا وكأنهم في دور تمثيلي لمسرحية يعيشونها.. هكذا تكون التأويلات في ظل سماع مصائب الناس مع المستشفيات. **شرح المشكلة.. زاد الغموض وعدم الفهم.. انفجرت ثورة الشك.. إذا كان هذا من نتائج استعمال الدواء، فلماذا كل هذا التمثيل؟!.. قبل المغادرة، أكد الطبيب الجديد ضرورة مراجعة المستشفى في حال ارتفعت حرارة الجسم.. قال : في حال ذهبت للطوارئ أعطهم اسمي.. وسأحضر فورا.. فرحت بهذا التوجيه.. على الرغم من آثاره المرعبة.. لكن التحدي قائم.