مع المرض تتولد مراحل الانتظار.. لا تدري إلى ما ستؤول إليه النتائج.. نعرف أن الأمم القوية قادرة على علاج أمراضها والسيطرة عليها.. كذلك أفراد تلك الأمم.. هناك عوامل كثيرة مترابطة.. تتداخل لتشكل شبكة.. قادرة على اصطياد تلك الأمراض.. وتفتيت قواها. لا يهم كاتبكم في هذه المرحلة.. غير السيطرة الشخصية على مشكلة المالطية.. عن طريق حسن اختيار شبكة العلاج.. كاتبكم توقع إصابته بالحمى المالطية.. هذا عجل باكتشافها. كنت مصرا منذ اللحظة الأولى.. على إجراء فحص الحمى المالطية قبل أي شيء.. قلت للطبيب بالحرف الواحد.. مصر على فحص الحمى المالطية.. ولك كامل الخيارات في إجراء ما تريد من تحاليل أخرى.. وهكذا كان.. تم اكتشاف المالطية بشكل مبكر. نعود إلى تحليل الدم المطلوب.. سيرسم خارطة لما يجري داخل الجسم.. وهذا ما جرى بعد اكتشاف المرض.. وتعاطي الأدوية بستة أيام.. التحليل رادار مهم.. يكشف الكثير من النتائج الضرورية عن المرض.. والدواء.. والتغيرات. حالة حرب.. تذكرني بخرائط الحروب العربية.. فشلنا في قراءة نتائجها.. مازلنا نجهل نتائج التحاليل العسكرية المصيرية.. لعدم وجود مختبرات عالية الجودة.. بطول العالم العربي وعرضه.. رغم وضوح المعالم. يوم الثلاثاء (29-6-2010) يوم تاريخي في حياتي.. ستظهر نتائج جهود الطبيب.. ونتائج قوة المالطية ومدى انتشارها.. وقبل هذا اليوم العصيب.. تلقيت العديد من الاتصالات.. والعديد من الزيارات. هناك تغير حضاري.. الأمة حولي (أي العائلة) تتغير.. زادت الاتصالات كما ونوعا.. تم الاستعانة بالانترنت لتجميع المعلومات.. الجميع يعطي رأيه ومعلوماته.. كل حسب قدراته.. انتشر الخبر.. وزادت درجة الترقب مع كأس العالم. البعض مهتم بأصناف الطعام المناسبة.. هناك أيضا الخبرات التي تتوارثها الأجيال عن طريقة التصدي للمالطية.. هناك معلومات لا حصر لها.. كما ونوعا.. وكان هناك من يسأل.. ما المالطية؟!.. هناك أطباء لا يعرفون هذا المصطلح.. يبحثون عن مصطلحات علمية. حل يوم الثلاثاء.. ذهبت إلى الطبيب عصرا.. قابلته وسط ترحيب وحسن استقبال.. حتى هذه المرة، لا اعرف هل هو للمريض أم للمرض.. سأل عن الأخبار.. شرحتها.. أخبرته بأن درجة الحرارة انخفضت إلى (35) درجة مئوية في يوم الاثنين.. تجاهل هذه المعلومة. نظر إلى الشاشة.. قال : هناك شيء في نتائج التحليل لا يطمئن.. تركني معلقا في حبال الكثير من الأسئلة وشباكها.. بسبب هذه النتائج، أحالني إلى طبيب آخر في مجال أمراض الدم. بدأت الأسئلة تطفو بشكل مثير.. أحيانا يخلق الطبيب حالة قلق نفسي عند المريض.. عندما يقطب جبينه.. ويقول : هناك شيء محير.. فلابد انه يعرف ما وراء القول.. يعرف الأسباب المحتملة.. ويعرف أبعاد خطورة ما يقول.. وعندما يحيلك إلى طبيب آخر.. فهذا يعني زيادة مساحة ثورة الشك. في كل الأحوال.. عندما يمرض احدنا فإن كل من حوله يمرض.. ولكن تختلف الأمراض.. ونجد أنفسنا محاطين بدوائر بشرية.. الدائرة الأولى حولك تمثل دائرة العائلة.. تتعدد الدوائر حتى تصل إلى دوائر لا تعرفها.. لكنها في النهاية تمثل دوائر المجتمع.. تتداخل دوائره بقوة.. تتعدد وتلتقي في نقاط.. تتفرع منها شبكات أخرى.. وهكذا لا تنتهي. التعاطف مع المريض يتعاظم.. لكن المصلحة هي التي تحدد كل العلاقات.. لا يهم نوع المصلحة.. أو تحديدها.. في النهاية يوحي المرض بفقد هذه المصلحة مهما كانت.. وحتى الطبيب يصبح جزءا مهما من دوائر المصالح.. ويصبح في موقع الدائرة الأولى.. يخوض في مشاعرها.. وقراراتها.. وأيضا مصيرها. هكذا وجدت نفسي مريضا بهذا المرض.. في هذا العمر وتجاربه التراكمية.. لم امرض مرضا خطيرا من قبل.. وهذه نعمة من الله.. لكن تعرضت للكثير من الحوادث. في رأسي وحده.. أكثر من (10) إصابات دامية (فقع).. منها طعنة بسكين في الخد الأيمن.. وقتها كنت طفلا.. في راحة اليد اليسرى إصابة بطلق ناري خفيف.. أطلقته على نفسي.. وقتها كنت طفلا.. هناك بعض الكسور والكدمات والجروح.. مغروسة في أجزاء من جسم كاتبكم النحيل.. أيضا وقتها كنت طفلا في القرية.. ولكاتبكم في كبره.. مشاهد أخرى من الحوادث.. جميعها عززت وجوده في الحياة.. وبأشكال مختلفة. الأمراض قد تكون جسدية.. قد تكون نفسية.. قد تكون اجتماعية.. وقد تكون اقتصادية.. لكن الحمى المالطية.. عبارة عن بكتيريا تبحث عن الحياة.. فهل من حقها سلب حياة إنسان مثلي.. وبهذه السهولة؟!