كثيرون منا مثاليون في التنظير لكنهم فوضويون في التطبيق، ولن تجد كبير عناء في اكتشاف هذا التناقض عندما تفتح أو يفتح أحدهم في أي مجلس شؤون وشجون المرور، حيث ستجد كل من في المجلس يصفون أخطاء وفوضى وتهور غيرهم من قادة المركبات في طرقاتنا وشوارعنا، ويتناولون عدم حزم رجال المرور وتهاونهم في القبض على المخالفين ومعاقبتهم، بل ستجد من يروي كيف ظلم بمخالفات لم يرتكبها بينما المتهورون والفوضويون يجوبون الشوارع وينتهكون حرمة الطرقات ولا يردعهم أحد، وهكذا ينتظم الحديث على ألسنة مثاليين لا يخطئون، وأتذكر أن صديقا أدرك هذا التناقض في أحد المجالس فروى أنه يرتكب مخالفات مرورية يوميا ولا يعاقبه أحد مدللا بذلك على ضعف الرقابة المرورية، فتتالت اعترافات الحاضرين دون تردد لدعم موقف الصديق الذي عاد ليؤكد - بطريقة طريفة - أنه لا يفعل ذلك وإنما أراد أن يبرز للجميع حجم تناقضنا من جهة، وحاجة الجميع إلى نظام حازم صارم عادل يردم فجوة هذا التناقض من جهة أخرى. الآن بدأ تطبيق نظام (ساهر) المروري في مدينة الرياض، وهو نظام دقيق سيواجه الكثير من النقد والكثير من الشكوى والاعتراض وهذا أمر طبيعي لا بد أن يرافق كل جديد، وهذه النقطة بالذات أعتقد أنها مدرجة على أجندة إدارة المرور وعليها أن تتعامل معها بما يعزز استمرار التطبيق الحازم للنظام ويطمئن الجمهور إلى دقته وعدالته من جهة وإلى فوائده الكبرى للجمهور، وأتصور أن النظام في بدايات تطبيقه سيشهد بعض أخطاء التطبيق، وهي أخطاء يرجى تلافيها أولا بأول وإشعار ضحاياها بنفس السرعة التي تتم في إبلاغهم بالمخالفات، فهذا من شأنه تعزيز الثقة بالنظام ودقته، كما يؤمل سرعة نشر تطبيق النظام في بقية المدن. لقد جربنا أساليب التوعية المرورية بمختلف أشكالها بما فيها عرض جثث القتلى في شوارعنا وطرقاتنا على شاشات التلفزيون ومع هذا ما زالت إحصائيات قتلى المرور ومعوقيه في تصاعد مستمر، ولن تجد مخالفا يعترف بمخالفته مهما كان الأمر، سيما مع غياب الدليل القاطع على ذلك، أما وقد أصبح الدليل الآن متوفرا مع (ساهر) فإن العذر سينتقل من خانة الإنكار إلى خانة عدم الانتباه مرحليا ثم إلى الانضباط في مرحلة لاحقة إذ لن يردع الناس سوى النظام الذي سيستحثهم لمعرفة الأنظمة المرورية بالقراءة والسؤال حتى لا يقعون في المحظور، ومع الوقت سيتفهمون القاعدة الذهبية (لا تخالف تسلم) إنني أرجو ألا يفت في عضد إدارة المرور ما سيواجهه (ساهر) من نقد وشكاوى وتشكيك، وأن يمضوا في تطبيقه بكل صرامة وحزم، فالمذابح التي تحدث في شوارعنا وطرقاتنا لم تعد تحتمل، وتتطلب فعلا نظاميا يجمد على شوارب كل مخالف ويقضي على التنظير المثالي المزيف.