كان القس البريطاني سابقاً والذي سمى نفسه إدريس توفيق ضيف إحدى القنوات الفضائية، وقد بدأ حديثه ب «بسم الله الرحمن الرحيم» و «السلام عليكم» باللغة العربية، وقال متحدثا عن قصة اعتناقه للإسلام : «خلفيتي عن هذا الدين (الإسلام) انحصرت فيما يعرفه الغرب عنه مثل قطع الأيدي، وتفجير أنفسهم، وضرب النساء، دخولي الإسلام لم يأت عن طريق قراءاتي للقرآن، أو عن طريق برنامج تلفزيوني، أو مقابلتي لشيخ مهم في ذلك الحين، إنما جاء عن طريق مقابلتي لصبي صغير ماسح أحذية في حوالي الرابعة عشرة من عمره وذلك خلال زيارتي لمصر منذ 10 سنوات، عندما رأى هذا الطفل لون بشرتي البيضاء تهلل وجهه بابتسامة كبيرة وقال لي: السلام عليكم، وكان هذا بداية معرفتي الحقيقية بالإسلام، وخلال الأسبوع الذي قضيته بالقاهرة كنت أمر على هذا الصبي، وتعلمت منه بعض الكلمات العربية وكنت أقول له حين أراه «أزيك يا جميل» ودائما كان يرد (بالحمد لله). ثم عاد توفيق إلى لندن حيث يعمل في تدريس الديانات المختلفة للأطفال في إحدى المدارس، وكان جميع التلاميذ من أصل عربي ومسلمين، ويواصل توفيق حديثه: «وفي هذا التوقيت لم أكن أفقه شيئا عن الإسلام لأقوم بتعليمه للأطفال، فقررت أن أقرأ كي أحصل على تلك المعلومات، وجدت أن حبي للإسلام يزداد كلما قرأت أكثر، كما وجدت عيني تغمرهما الدموع عندما أذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد عدة شهور، وعندما جاء شهر رمضان، طلب مني الأطفال في المدرسة مكانا للصلاة، ولم يجدوا سوى الفصل المخصص لي لأنه المكان الوحيد الذي يحتوي على سجادة، ومن هنا بدأت مراقبة تصرفاتهم وما يفعلونه أثناء الصلاة، ثم توجهت للإنترنت كي أستقي معلومات عن كيفية صلاة المسلمين، ومع نهاية رمضان استطاع توفيق تعلم أصول صلاة المسلمين وذلك بمساعدة الأطفال، وفاجأ تلاميذه بالصوم معهم رغم أنه غير مسلم، وفي نهاية الشهر كان قد صام رمضان كاملا. وعن قرار اعتناق الإسلام يقول: (استغرق الأمر مني عاما ونصف منذ مقابلة الصبي وحتى الإشهار، وكنت أقوم خلال هذه الفترة بالتفكير ومقابلة بعض الناس والقراءة بشكل مكثف). واستطرد: (كلما قرأت أكثر عن الإسلام تعرفت على مسلمين أكثر، وخلال عام ونصف تعرفت على العديد منهم، وكنت سعيداً بوجودي معهم، واتضح لي أنهم ليسوا بالصورة التي رسمها الإعلام الغربي عنهم وهذا كان قبل أحداث 11 سبتمبر مباشرة). ويروي إدريس توفيق ما قام به بعد اعتناقه للإسلام: (بعد دخولي في الإسلام ذهبت إلى المدرسة وبدأ المدرسون في التصفيق لي لأنهم كانوا يحبوني كشخص. ذهبت بعد ذلك لمدير المدرسة وقلت له ماذا تتوقع عندما أقول لك أني أصبحت مسلماً؟ فرد وقال: كلنا كنا نتوقع هذا). وعن الطريقة الصحيحة للدعوة إلى الإسلام في الغرب، يقول إدريس توفيق: (عندما كان عمري 20 عاماً ذهبت في رحلة إلى روما مع أصدقائي وكنت حينها كاثوليكياً، وفي يوم الأحد ذهبنا للكنيسة الكبيرة في ميلانو، وخلال القداس قال القس الخطبة باللغة الإيطالية ولم أفهم، ووجدت من حولي لم يفهموا الخطاب أيضاً، رغم أن جميعهم إيطاليين، والسبب في ذلك يرجع للغة الصعبة التي كان يتحدث بها القس والتي تخص رجال الدين فقط، أما الناس العاديين فلا يفهموها لذا تعلمت منذ ذلك الحين أني إذا أردت التحدث مع البسطاء عن الدين لابد أن أتحدث بلغة بسيطة وسهلة). وأضاف: (ليس صحيحاً على سبيل المثال أن أذهب للناس في الغرب وأقول لهم أنتم على خطأ، فلعلهم لم يفكروا في الله على الإطلاق فقد يكون كل تفكيرهم منصباً على كرة القدم أو السيارات أو المشتريات، لذا فالطريقة الصحيحة للتخاطب معهم أن أبدأ عبر الحياة العادية، أنا أعني أن الإسلام هو الديانة الطبيعية لكل المخلوقات منذ بدء الخليقة، فهو يخاطب كل قلوب الرجال والنساء لأن رسالته بسيطة جدا وعالمية وتقول إن هناك إله وهذا الإله يتحدث إلينا، وهذا هو الإسلام ببساطة). وعن علاقته بأصدقائه بعد الإسلام قال توفيق: (بعد اعتناقي الإسلام ابتعدت أنا وأصدقائي في الكنيسة عن بعضنا بشكل محترم ويمكن تشبيه ما حدث بالطلاق.. أنا لا أستطيع أن أفعل شيئا يسيء لأصدقائي، أو للكنيسة فأنا أحبهم من كل قلبي). الملفت للنظر في حديث توفيق أن أسرته البريطانية لم تعتبر تحوله من المسيحية إلى الإسلام بالأمر (القاتل) حسب تعبيره، وقال: (لأن أسرتي تحبني تقبلت القرار بصدر رحب لدرجة أن أمي تذهب للكنيسة كل يوم وتعطي كتبي التي قمت بتأليفها مثل سلة ask about Islam أي (اسأل عن الإسلام) لأصدقائها لأنها تحب ابنها). ووصل: (تمكنت بعد ذلك من تكوين علاقات جيدة خلال سفري حول العالم مع القادة المسيحيين لأني أتحدث إليهم باحترام، والاحترام هذا سيجعل الآخر يستمع إليك ولكن للأسف نحن المسلمين نرفع أصواتنا كثيرا رغم أن هناك آيات من القرآن ترفض ذلك)، وحول رأيه في التشدد الديني يقول: (هناك مقولة بالإنجليزية خاصة بالإعلام تقول لو كان هناك دم فإنه سيظهر على شاشات التلفاز بمعنى لو أن هناك مائة سيارة وواحدة فقط قامت بحادث فهي الوحيدة التي ستظهر على الشاشة، لكن ال99 الباقيات لن يظهرن على الشاشة، لذا عندما أسافر إلى أمريكا ويقولون لي هل أنت إرهابي؟ أقول لهم: تعالوا معي لمكان إقامتي وسأعرفكم على شريف في الدور الأرضي، وأحمد وزوجته وأولاده في الطابق الثالث، أنا أقول لهم أن هؤلاء الناس عاديون لأنهم يذهبون للعمل لتوفير الغذاء لأسرهم، ويصلون خمس مرات، وليسوا متشددين لذا لم يظهروا على الشاشة.. صانعو المشكلات في الغرب يريدوننا أن نمشي على منهاج معين أو نتحدث عن الانفجارات الإرهابية أو الحرب.. لذا أقول لهم إني لن أنساق وراءكم ولن أتحدث بفكركم.. قوتنا لا تأتي من إلقاء الحجارة قوتنا تأتي من داخلنا. ما نحتاج لفعله عندما نواجه ذلك أن نصبح أقوياء جداً ولكن بشكل متحضر.. هناك طرق عديدة لإخطار الآخر برفض ما يفعله بدون إلقاء الحجارة.. وأول خطوة يجب فعلها هي أخذ نفس عميق ثم نفكر جيداً قبل أن نتلفظ بشيء والخلاصة يجب تطبيق ما يدعو إليه الإسلام حتى لا ينظر إلينا الغرب نظرة متدنية). في نهاية اللقاء وجه توفيق رسالة للصغير الذين تسبب في إسلامه قائلاً: (هذا الصبي لا يعرف أني أسلمت ولكنه يوم القيامة سيفاجأ عندما تقرأ حسناته الملائكة بأنه فعل هذا وهذا، ولكنه فعل الكثير خاصة وقام بأعمال أخرى بشكل غير مباشر مثل تسببه في اعتناق الكثيرين للإسلام من خلالي). واختتم قائلاً: (من يشاهدني لا يدرك أنه يستطيع التأثير على الآخرين من خلال المعاملة الحسنة ولو عبر ابتسامة وليس بالكلام. لسنا بحاجة لأن نعطي الغير محاضرات، كل ما هو مطلوب منك أن تقول أنك مسلم ويجب أن تذهب للصلاة الآن، لو كل فرد فينا عاش مسلماً جيداً فالعالم سيرانا بشكل جيد وسيحبوننا، وهناك نقطة هامة جداً أود أن أشير إليها ألا وهي أننا ككبار في السن نجعل من الإسلام دينا معقدا وصعبا، لكنه حقيقة دين بسيط وسهل فعندما نتحدث عنه نتحدث بطريقة معقدة لذا فالناس لا يفهمون جمال ورقة الإسلام)، هذا اللقاء مع شخصية ناضجة، وقسيس سابق يظهر عظمة الإسلام، وعظمة تطبيق الأخلاق الإسلامية، وعظمة الرسول الكريم عندما قال (الدين المعاملة)، وترينا أن هذا الرجل عرف الإسلام، وعرف طريقة التعامل مع الغرب، وعلينا أن نستفيد من تجربته، وأن ندعمه وأمثاله لأنه يتكلم لغة القوم، ويعرف المداخل إلى نفوسهم، والدليل على ذلك أن الكثيرين أسلموا على يده. ___________________________________________________________________ أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام، رئيس الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية