كان قساً كاثوليكياً لا يعرف عن الإسلام إلا ما تقدمه له وسائل الإعلام الغربية من أن هذا الدين هو دين العنف والإرهاب في العالم، شاء القدر أن يتعرف على حقيقة وسماحة هذا الدين خلال حوار دار بينه وبين طفل صغير يمسح الأحذية بميدان رمسيس، حياه الطفل بتحية الإسلام، وكان في تلك القصة بداية رحلته في البحث عن هذا الدين وشريعته الغراء، وظل في رحلته البحثية حتى اعتنق الإسلام منذ أكثر من عشر سنوات، وتحول من قس كاثوليكي إلى أحد أبرز الدعاة إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة في أوربا. ظل يحاضر عن الإسلام في عشر جامعات أوربية عريقة، فضلاً عن تأليفه ثمانية كتب تتحدث عن سماحته وتعاليمه وتعريف الآخر به. وفي حواره ل "الرسالة" أكد الدكتور إدريس توفيق أن القرن الحادي والعشرين هو قرن الإسلام في أوربا، وقبل نهاية هذا القرن ستشهد القارة العجوز أكبر صحوة إسلامية في تاريخها ولن يكون لها مثيل، من خلال إعادة المسلمين إلى صحيح الإسلام أو اهتداء ملايين الناس للإسلام والدعوة إليه بشكل صحيح، وستتحول أوربا من أشد المعادين للإسلام إلى منطقة الدفاع الأولى عن الإسلام في العالم أجمع. وشدَّد إدريس على أن صراع الحضارات مصطلح "فوضوي" نشأ عن قناعات عنصرية لدى أصحابه، وأكد أننا المسلمين ليسوا في حاجة لأخذ البركة من الغرب أو إرضاء الغربيين بالتنازل عن عقيدتنا وقيمنا الإسلامية، إنما هم يحتاجون لأن نعلمهم الإسلام الحقيقي، مؤكداً أن المسلمين الجدد يفضلون كلمة (العودة) بدلاً من التحول للإسلام، وذلك لأن الإسلام يمثل العودة إلى الطبيعة الحقيقية للبشرية. كيف تعرفت على الإسلام وما هو الدافع الأساسي لاعتناقك له؟ أول معرفتي بالإسلام لم تكن من خلال الكتب أو الصحف أو متابعة وسائل الإعلام الإسلامية وكثرة الاطلاع على العلوم الإسلامية، ولكن كانت بداية تعرفي على هذا الدين الحنيف من خلال خطوة عملية بدأت عن طريق طفل صغير لا يزيد عمره عن أربعة عشر عاماً يعمل (ماسح أحذية) بميدان رمسيس، عندما وقفت أمامه ليقوم بمسح حذائي نظر إلى وجهي بابتسامة طفولية وقال لي "السلام عليكم"، فلفت نظري هذا التعبير بشدة وأنا مواطن غربي كل معلوماته عن الإسلام أنه دين عنف وإرهاب وتعصب كما تروج له وسائل الإعلام الغربية، وسألت نفسي ما هو هذا الدين الذي تبدأ تحيته بالسلام ولماذا يسعى الغرب إلى تشويهه. عندها بدأت رحلتي في البحث عن حقيقة الإسلام وكأن الله عز وجل سخر لي هذا الطفل ليكون سبباً رئيسياً ومباشراً في اعتناقي للإسلام وتحولي لأحد المدافعين والمنافحين، بل والداعين إليه في أوربا والعالم الغربي، ولن يتخيل هذا الطفل الصغير أبداً الثواب الذي سيحصل عليه من كل الأعمال التي قمت للدعوة للإسلام من برامج في التلفزيون وتأليف كتب. وأعتقد أن هذا الطفل سيثاب ثواباً كبيراً عني وعن كل من اعتنق الإسلام على يدي، لمجرد أنه ابتسم في وجهي وحياني بتحية الإسلام ونقل لي صورة حقيقية عن سماحة الإسلام في يوم من الأيام، ومن هذا الطفل تعلمت أننا كمسلمين يجب أن نكون أول من يطبق الإسلام قبل دعوة الآخرين إليه، وأن نتعامل مع الآخر كما أراد الإسلام. اعتناقي للإسلام هل كانت قصتك مع هذا الطفل المسلم هي السبب الوحيد لاعتناقك الإسلام أم أن هناك أسباباً أخرى؟ كانت هناك أسباب أخرى، ولكن هذا الطفل كان أهم الأسباب رجعت إلى لندن وتركت عملي كقس ولكني ظللت كاثوليكياً ومارست مهنة تدريس اللغة الإنجليزية، فدرَّستُ لفتيان مشاغبين جداً لديهم أسلحة وسكاكين، وكان بعض التلاميذ من العرب من العراق ولبنان والسعودية، وكنت أدرسهم الأديان، فاضطررت أن أقرأ شيئاً عن الإسلام لأنني لم أكن أعرف عنه الكثير فتعرفت عليه من خلال الكتب وأحببته جداً، ثم في رمضان عام 2000م، أتى تلميذان إلى صفي وطلبا مني أن يصليا صلاة الظهر في صفي، فوافقت على ذلك، وكنت أقرأ في كتبي أثناء صلاتهم، لكنني كنت أراقبهم وأراقب أفعالهم وأكتبها وفي نهاية رمضان كنت قد تعلمت كيفية الصلاة، ثم عرفت الكلمات التي تُقال في الصلاة عن طريق الإنترنت، وعندما كنت أحدث التلاميذ عن محمد صلى الله عليه وسلم كنت أبكي، فقررت بعد سنة من ذلك أن أزور مسجداً في لندن، فزرت مسجداً كانوا يتحدثون فيه دائماً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت أتردد إلى هناك كل أسبوع، ثم التقيت يوسف إسلام الذي كان مطرباً وكان اسمه كات ستيفينز فأسلم، فسألته: ماذا يفعل الإنسان ليكون مسلماً، أنا لا أريد أن أكون مسلماً لكن ما يفعل الإنسان ليصبح مسلماً؟، فقال لي: المسلمون يؤمنون برب واحد، فقلت: وأنا دائماً ما آمنت إلا برب واحد، فقال لي: المسلمون يصلون خمس صلوات في اليوم، فقلت: أنا أعرف كيفية الصلاة، فقال لي: إنهم يصومون في رمضان، فقلت له: لقد صمت مع التلاميذ في رمضان أيضاً. في تلك اللحظة صدع صوت الأذان، فتقدم الإخوة للصلاة، وجلست أنا خلفهم أبكي كالطفل. عندما انتهوا من الصلاة، أتيت إلى يوسف وقلت له: أريد أن أصبح مسلماً فقال لي: "قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقلتها. ثم أتى جميع الإخوة في المسجد ليهنئوني، فقال لي يوسف: عليك الآن أن تذهب إلى بيتك وتستحم، لأنك الآن كطفل صغير، كأنك ولدت من جديد، أنت الآن مسلم نقي. رحلتي بعد الإسلام كيف كانت رحلتك الدعوية بعد اعتناق الإسلام؟ اعتنقت الإسلام منذ عشر سنوات وقبل ذلك كنت قساً كاثوليكياً درس الكهنوت في روما. لست عالماً من علماء المسلمين ولكني مسلم عادي اعتنق الإسلام منذ سنوات قليلة ولكني أمتلك بعض الخبرات السابقة في الديانات الأخرى، وأحاول من خلال هذه الخبرات كمسلم حديث العهد بالإسلام أن أضع رؤيتي وخبرتي أمام غير المسلمين لأساعد على تصحيح صورة الإسلام لديهم وأحببهم في هذا الدين العالمي. الحمد لله فإن ما أقوم به يأتي بنتائج طيبة، ومن خلال عملي هذا أكرمني الله بأن صححت عقيدة كثير من المسلمين الذين كانت لديهم معلومات مشوهة عن الإسلام، وكان هؤلاء مسلمين بالاسم فقط واستطعت بما منّ الله عليَ إعادتهم لصحيح الإسلام، والأهم من ذلك أن الله عز وجل أكرمني بأن أسلم كثيرون على يدي، أطالب الدعاة بمراعاة من يحدثونهم وألا يميلوا إلى التقعر في الألفاظ والمصطلحات التي قد تكون منفرة لكثير من العامة لأنهم قد لا يفهموا معانيها العلمية والشرعية، لذلك يجب التعبير عن الإسلام بأبسط الطرق الممكنة وأيسرها. رسالة لكل مسلم كمسلم أوربي كيف تنظر إلى حال ووضع المسلمين في داخل العالم الإسلامي؟ الإسلام دين كامل وصالح لكل زمان ومكان ولكن المسلمين شوهوا صورته بتصرفات البعض منهم داخل العالم الإسلامي وخارجه، المشكلة ليست في الإسلام كدين وإنما فينا كمسلمين، لأن البعض منا يقدم الإسلام في صورة مجافية لحقيقته وتعاليمه السمحة، أوجه رسالة لكل مسلم بأن يضع في قلبه حب النبي صلى الله عليه وسلم فهو معلم الإنسانية الأول ومخرجها من الظلمات إلى النور، ومن ثم يتبع هديه وسنته في كل أقواله وأفعاله، وعلى كل مسلم أن يقوم بدوره في حدود إمكاناته لنصرة هذا الدين الحنيف في أي مكان يعيش فيه المسلم، لأن ذلك هو الأمر الكفيل بنهوض الأمة الإسلامية من كبوتها وعودتها إلى سابق عهدها قائدة للعالم لا تابعة له. خطان متوازيان هناك مسلمون في الغرب يقدمون صورة سيئة عن الإسلام فكيف تنظر إلى هذه القضية وهل تقوم بالعمل على تصحيح صورة الإسلام في الغرب؟ بالطبع أقوم بواجبي الديني والتوعوي والدعوي، فأنا أقوم بإلقاء محاضرات عن الإسلام في أكثر من عشر جامعات أوربية، وقد التقيت أكثر من مرة بمسلمين في بريطانيا وأيرلندا واسكتلندا وغيرها وكثير منهم متمسكون بدينهم وتعاليمه السمحة. كما أن هناك من يقدم صورة سيئة عن الإسلام هناك أيضاً مسلمون يسعون لتقديم الإسلام بصورته الصحيحة في الغرب، ودورنا هو تشجيع من يقدم صحيح الإسلام ومساعدتهم على الظهور بصورة أكبر وذلك بنفس القدر الذي نقوم به في توعية من يقوموا بتشويه صورة الإسلام دون وعي منهم ونعمل على تحسين سلوكهم، فيجب أن نسير في خطين متوازيين في هذا الإطار ولا نهتم بجانب على حساب الأخر، وعملي يتبلور في هذين الخطين ولا أحيد عنهما. أرى أن أهم ما يحتاجه المسلمون اليوم هو استعادة اكتشاف صحيح الإسلام في نفوسهم وبمجرد وصولنا إلى هذه الحقيقة سنجد أنفسنا نسير على الطريق الصحيح ونقتدي بتعاليم القرآن الكريم وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك سنمتلك من القوة والقدرة ما يؤهلنا للوقوف أمام أي تيار يسعى لتشويه الإسلام وإقناعه بخطأ تصوراته عن هذا الدين الحنيف ومواجهته بالحجة والموعظة الحسنة، عندما نصل كمسلمين إلى هذا المستوى لن نحتاج إلى الدعوة إلى الإسلام بألسنتنا لأن سلوكياتنا ستكون خير سفير للدعوة إلى هذا الدين الحنيف ونشره بين الناس بالحكمة والموعظة الحسنة. قرن الإسلام في أوربا كثير من الغربيين وعلى رأسهم بابا الفاتيكان نفسه يتخوفون من تحول أوربا إلى بقعة إسلامية خالصة فكيف تنظر إلى هذا التصور؟ هذا صحيح وواقع نلمسه بالفعل على الأرض في أوربا والغرب بشكل عام ،وإنني أؤكد أن هذه حقيقة فعلية وليست مجرد تنبؤات وتخوفات فالإسلام يسير في الغرب بخطى ثابتة رغم كل ما يقال وينشر عنه من خلال المتربصين به، وبالفعل سيكون القرن الحادي والعشرين هو قرن الإسلام الحقيقي في أوربا، وقبل نهاية هذا القرن ستشهد القارة العجوز أكبر صحوة إسلامية في تاريخها ولن يكون لها مثيل، سواء من خلال إعادة المسلمين إلى صحيح الإسلام أو اعتناق ملايين المسلمين الجدد للإسلام والدعوة إليه بشكل صحيح،وستتحول أوربا من أشد المعادين للإسلام إلى منطقة الدفاع الأولى عن الإسلام في العالم أجمع. بعيداً عن كونك أصبحت مسلماً ما الذي يمكن أن يراه الإنسان في الإسلام وتفتقر إليه الكاثوليكية؟ الإسلام يشمل كل جانب من جوانب الحياة، وليس كالمسيحية التي تقتصر على الذهاب إلى الكنيسة يوم الأحد، والإسلام يخبرك كيف تبادل الآخرين التحية، وكيف نفعل كل شيء في الحياة، والمسلمون ليسوا قديسين، والإسلام يشجع المسلمين على التفكير في الله في كل وقت، وبالنسبة لي فإن أحد الحواجز التي كانت أمامي لأصبح مسلماً كان قصة إبراهيم عليه السلام، فالإنجيل يقول إن إبراهيم ضحى بابنه إسحاق، والقرآن يقول إنه إسماعيل، ربما يبدو غريباً، لكنني فكرت في هذا لفترة طويلة واقتنعت بما يقوله الإسلام. مصطلح فوضوي انتشرت في الغرب خلال السنوات الأخيرة دعاوى صدام الحضارات والقول بأن الإسلام هو العدو الجديد إلى أخره فكيف تنظر إلى ذلك؟ الكلام عن الصدام بين الحضارات من الأمور التي أستاء منها بشدة ودائماً أؤكد أنه لا يوجد صراع بين الحضارات على الإطلاق، وهذا هراء وهذا مصطلح فوضوي نشأ عن قناعات عنصرية لدى أصحابه. إذا كنت مسلماً في بريطانيا، فأنت بريطاني، وإذا كنت مسلماً في أمريكا، فأنت أمريكي وهكذا، ولا يجوز مطلقاً التشكيك في ولاء المسلمين الغربيين لأوطانهم التي يعيشون فيها سواء كانوا من أصل هذه البلاد أو مجنسين، لأن هذا التشكيك للأسف من مخلفات دعاوى صدام الحضارات التي أطلقت في الغرب ونحن نرفضها ونحاول مواجهتها، على الأقل في نفوس الشعوب الأوربية. مؤلفات إسلامية لم يمض على اعتناقك الإسلام سوى عشر سنوات، إلا أنك قمت بتأليف العديد من الكتب عن الإسلام فماذا عن ذلك؟ منذ اعتناقي للإسلام قررت أن ألعب دوراً محورياً في الحرب التي تشنها وسائل الإعلام الغربية على الإسلام والمسلمين، لأننا كمسلمين لسنا في احتياج لأخذ البركة من الغرب ولسنا في حاجة إلى إرضاء الغربيين بالتنازل عن عقيدتنا وقيمنا الإسلامية، ولكننا في حاجة ماسة أن نعلمهم ما هو الإسلام الصحيح، وما هي شخصية وسلوك المسلم الحقيقي، وأحاول أن أقوم بدوري في تعريف الغرب بالإسلام والمسلمين بالشكل الصحيح وهذا من خلال كتبي والتي بلغت ثمانية كتب تحدثت فيها عن الإسلام وهوية وسلوك المسلم وما ينبغي عليه عمله في تعاملاته مع المسلمين وغير المسلمين أيا كانت دياناتهم ومعتقداتهم. ستة من هذه الكتب بعنوان (اسأل في الإسلام)، وأتحدث من خلالها مع المسلمين في الغرب وحديثي الإسلام وأصحاب الأديان الأخرى، وكذلك عن كيفية دعوة الآخرين إلى الإسلام واختتمها بكتابي السادس وأتحدث فيه عن شهر رمضان وقيمته وتأثيره في نفوس المسلمين. أعتمد على الأسلوب السهل والمباشر الذي يجعل من مؤلفاتي مادة بسيطة الفهم، ودائما ما أعتمد على أمثلة من حياتنا المعاصرة واستخدام الأماكن المشهورة للدلالة على تكرار الإحداث لأساعد القارئ على ربط الأحداث والتعلم من التاريخ، وقد كان لكتابي الأول (بشائر الجنة) والذي أقوم فيه بتعريف الإسلام بشكل سهل وبسيط من خلال التحدث عن أركان الإسلام الخمس وأثارها في حياة المسلم اليومية وتعاملاته مع من حوله أثر كبير في استمالة العديد من الغربيين خصوصاً في الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وهدايتهم إلى الإسلام، وأيضاً كتابي الأخير (لبحث عن السلام في ارض الأنبياء) والذي استعنت فيه بحقائق تاريخية لتوضيح أهمية القدس للمسلمين عبر التاريخ، وأشرح فيه ببساطة ما هو الإرهاب ومن الذي يقوم به ولماذا استخدم هذا اللفظ في الآونة الأخيرة كأداة سياسية لقهر المسلمين في جميع أنحاء العالم