شهدت قبة نادي المنطقة الشرقية الأدبي حوارا حادا وانتقاديا حول كتاب الغذامي عن القبيلة والقبائلية ومابعد الحداثة ونظريته حول الهوية مابين القبيلة والنظام. لكن للواقع رأيا آخر يذهب بعيدا في تأصيل العمق القبلي وتأثيره على أوجه الحياة بما في ذلك جوانب لم تكن القبيلة تعرف عنها شيئا إلى عهد قريب. الطب الحديث عالم من الدراسة النظرية والتطبيقية والاختراعات والمنجزات التي لا تتوقف لحظة واحدة بل تلزم الطبيب بالقراءة والاطلاع حتى يكون على مستوى التطوير الكبير الذي إن لم يلاحقه ليل نهار بقي حيث هو عند آخر نقطة معرفية جناها. وللطب أيضا أعرافه ومعاييره القديمة والحديثة ومنها المتعلق بالأخطاء الطبية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من هذا الحقل من حقول الممارسة الإنسانية. يرتبط الخطأ الطبي في الغالب بالإهمال ويمكن أن يكون الإهمال يسيرا أو جسيما وهو الذي يترتب عليه مسؤولية جسيمة أيضا؛ لأن من ارتكبه تجاوز الحدود الآمنة للممارسة الطبية. هذه الأخطاء يفترض أن تخضع لمتابعة من نقابة الأطباء حتى لايظل بينهم من يفسد عليهم أداءهم الذي تفترض فيه العناية والاهتمام والأخذ بأسباب الإتقان حفاظا على سلامة الإنسان وعلى كرامة المهنة وسمعتها. ويفترض أيضا أن تخضع لنظام يضع الحدود القانونية للممارسات والجزاءات المترتبة على تجاوز هذه الحدود وكلما كانت الأمور واضحة كلما أدت إلى تطبيق سليم لممارسة المهنة، خاصة فيما يتعلق بالشهادات الطبية والتخصصات وإجراءات الممارسة وأنواع المخالفات والعقوبات. حتى المحاكم الشرعية وحدها ليست قادرة على الفصل في هذه الأمور؛ لأن الطبيب ليس شخصا عابرا يرتكب خطأ عابرا، بل هو متخصص يمارس تخصصه في إطار القانون والنظام. حين تصبح القبيلة صاحبة اختصاص حتى في الأخطاء الطبية فقد يتحول الطب إلى طب شعبي يمارسه من يشاء كيف يشاء. التساؤل المطروح: ما هي وجهة نظر الجهات المعنية بصحة وسلامة الإنسان مثل الهيئة السعودية للتخصصات الصحية ووزارة الصحة وكليات الطب في الجامعات وهيئة وجمعية حقوق الإنسان، هل هذه الممارسة القبلية تعتبر كافية وتغني عن المحاسبة المهنية؟ نجران أقامت «منصدا» قبليا طبيا انتهى بالتنازل عن قضية وفاة طفل إهمالا، لكن الطبيب الاستشاري الذي ارتكب الخطأ القاتل تخلف عن الحضور خوفا من غضب والد الطفل المقتول بخطأ طبي وما قد يصدر عنه من ردة فعل، وفاز الحاضرون بالتنازل بما فيهم طبعا وزارة الصحة، وقد تحذو حذوها قبائل أخرى.