(لله ما أخذ ولله ما أعطى) عبارة جامعة مانعة، فالله سبحانه وتعالى الذي يمنح المال والولد وكلَّ ما يجري للإنسان في حياته من العطاءات مادياً ومعنوياً، وهو سبحانه الذي يأخذ ما يشاء مما منح لعباده بقدر منه عادل، وبتدبير منه وتقدير، وهو أعلم بأسباب أخذه وعطائه، فقد يأخذ من عبده ما أعطاه من مالٍ لأنه يعلم أن المال سيفسد عبده، أو سيجلب له شرَّاً، وقد يأخذ من عبده ما منحه من ولد لأنه يعلم عزَّ وجل بحقيقة ما أخذ، وفي قصة موسى عليه السلام مع الخضر في سورة الكهف ما فيه البيان والإيضاح، ولذلك كلِّه أسبابٌ يعلمها سبحانه دون سواه، ولهذا كان الإيمان بالقضاء والقدر من أركان الإيمان التي لا يقوم بناء الإيمان إلا بها. (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) عبارة مشرقة جامعة مانعة أيضاً، إذا رددها الإنسان المبتلى بفقد عزيز عليه وجد لها بَرْداً في قلبه، وإشراقاً في نفسه لا يشعر بهما إلا من يردِّد هذه العبارة بإيمانٍ راسخ ويقين ثابت، إنَّ الطريق الأمثل لتحمُّل مواقف فقد الأحبة هو التعلُّق بالله سبحانه وتعالى. والتسليم له، والرضا بقضائه وقدره خيره وشره، ولن يجد الإنسان إذا ابتعد عن هذا الطريق الأمثل المضيء إلا الحسرة والندامة، واشتعال نيران الحزن في قلبه. وما أجمل ما قال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه للأحنف بن قيس وهو يواسيه في فقد أحد أبنائه: يا أحنف، إنك إن صبرت أجرى الله عليك قضاءه وأنت مأجور، وإن جزعت أجرى الله عليك قضاءه وأنت موزور. وهذه عبارة مواساة دقيقة العبارة عميقة المعنى، يجب علينا جميعاً أن نستشعر معناها العميق حينما يجري علينا شيء من الابتلاءات في هذه الحياة الدنيا. لقد فقد الأخ العزيز الصديق فهد بن عبدالعزيز الباش ابنه الوحيد (عبدالعزيز) رحمه الله وتقبله وأسكنه فسيح جناته في حادث سيارة في الأحساء قبل أيام وكان معه بعض زملائه المعروفين بالخير والصلاح كما نحسبهم وكما يتحدَّث عنهم من يعرفونهم ومنهم مهند بن خالد الحليبي الأديب والشاعر المعروف، والمشرف على مركز رعاية الأسرة في الأحساء، وقد أصيب مهند بجروح أدخلته المستشفى -عافاه الله- بينما ودَّع عبدالعزيز الباش الحياة في هذا الحادث الأليم. إنني أعرفك -أبا عبدالعزيز- فاعلاً للخير، مؤثراً في مجال عملك، مؤمناً بربك -كما أحسبك- وقد خبرتك في أكثر من موقف من مواقف الدعوة إلى الله، ولقاءات العلم، والخير، فوجدتك محباً لعمل الخير حريصاً على خدمة الدين، وكم سرني ما رأيت من جهدك الكبير المشكور في مهرجان (بك نقتدي) الذي أقيم في الهفوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مهرجاناً ذا أثر كبير في نفوس الناس صغاراً وكباراً، وكان حافلاً بسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام العطرة في جوانبها جميعاً، فأنت بهذا من أقرب الناس إلى معرفة قيمة الإيمان بالقدر خيره وشره، ومن أعرف الناس بعظم أجر الإنسان الصابر على فقد ولده، وليس أمامك وأمام أم عبدالعزيز -شرح الله صدرها- وأمام أخته بارك الله فيها إلا أبواب الجنة المشرعة لمن استرجع وحمد الله وصبر على فقد من يحب، وقد أخبرنا بذلك الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي الذي جاء فيه أنَّ الله سبحانه وتعالى يقول لملائكته الذين نزعوا روح ولده: أخذتم ولد عبدي، أخذتم ثمرة فؤاده فيقولون: نعم يارب، فيقول: وماذا صنع عبدي؟ -وهو به أعلم سبحانه-، فيقولون: حمدك واسترجع» أي قال: الحمد لله، وإنا إليه راجعون، فيقول سبحانه وتعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه (بيت الحمد). صبراً أبا عبدالعزيز وردِّد في يقين أنت وأهلك (الحمد لله على قضائه وقدره، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، وأبشر بالخير). ولأخي الكريم الدكتور خالد الحليبي الدعاء الصادق بشفاء ابنه مهنَّد، ومعافاته، وبالأجر الوفير على الصبر والاحتساب. إشارة: وربِّك ما سلَّمْتُ لليأس مِقْوَدي=