وزير الصحة يشكل لجنة لمتابعة الأوضاع الصحية لحمى الخرمة. وبالتأكيد فإن قرار الوزير لم يأت من فراغ وإنما نتيجة لحالات إصابة بهذا المرض. ماهي نتائجة؟ وماهي خطورته؟ هذه قضية قد لا تخيف كثيرا في ظل التطمينات التي نسمعها أحيانا من المسؤولين الصحيين الذين يؤكدون ان الوضع اقل مما يثير الاهتمام لا مدى انتشار ولا درجة خطورة!! المرض «عادي» والوضع «عادي» أما ماهو «غير عادي» هو ما يثيرنا من الآن فأن تتحول «الخرمة» الى «خنازير» أخرى ينفث فيها النافثون من أرواحهم ونواياهم فتتضخم وتتضخم إلى أن تصبح وحشا مرعبا يهدد حياتنا المنكسرة أصلا بدوار لا يهدأ!! وللعلم «فحمى الخرمة» كما تقول المصادر الصحية انها ناتجة عن الإصابة من «القراد» وهنا مكمن المخاوف! فالحيوانات أصبحت هاجسا يقلقنا كثيرا ليست لأنها وحوشا وكواسر وآكلات لحوم بشر وكما يصورها الطيبون هي مصدر كل الأمراض! واستلمنا هؤلاء الطيبون بين كل عام وعام بمرض جديد من ماركت حيوان جديد. وتكاد تصعق من كثرة الأخبار والأضواء عن المرض والمرضى والمتوفين والاحتياطات إلى درجة كان حالة مرضية في المكسيك قد أنشبت أظفارها في إحدى بيوت الطين التهامية في جنوبنا العزيز!! لم تعد هناك فواصل، العالم كله أصبح قرية كونية واحدة، ولعل من الوجه الآخر للظل في هذا التوحد هو تصدير القلاقل والمخاوف والأدواء!! ولعل الحيوانات بالذات استغلت هذا الانفتاح وعدم الفواصل فعبثت بنا كيف شاءت حتى يكاد يخيل إلينا أن خنزير المكسيك يقف فوق رؤوسنا وان بقرة ويلز تخور في عروقنا!! وتتساءل بدهشة: هل هذا العصر عصر عولمة؟ أم عصر «حيونة»؟ و «ياجماعة» لا تلوموا الأسئلة فالجماعة ابتدوا بنا من جنون البقر إلى أنفلونزا الطيور الى أنفلونزا الخنازير والآن خرمة القراد ولا تدري أي حيوان يقع عليه الدور بعد ذلك؟ لكن توقعوا بان الكلاب والقردة والقطط وحيوانات اخرى ستجد لها مصنفات طبية بعد ذلك!! في عصر «العولمة» سيسوا الاقتصاد!! وفي عصر «الحيونة» سيسوا الخنازير!! وتظل القضية قضية سياسية بامتياز! أما طرفا المعادلة فيها مصدرون لأزماتهم ومستوردون عليهم أن يقبلوا بكل شيء حتى وإن كان مجرد خرافة!! وما أتمناه أن يظل «القراد» شأنا محليا ولا يتحول إلى مرض عالمي يكلفنا الكثير والكثير!! مشكلتنا «ياسادة» في هذه النوعية من البشر الذين تحركهم إشاعة وتلعب بهم خرافة فيصدقون كل شيء ويقبلون بكل شيء!! وبعض العرب طيبون وساذجون و«عندهم صابون»!! وإذا أردنا أن نتخلص من أمراض هذا العصر فإن أهم مرض هو هذا الذي يسكن داخلنا نحن.. والخلاص منه يكمن في بناء أرواحنا من جديد. وأتذكر ذلك الخوف الذي كاد أن يضيق علينا الأرض بما رحبت من أنفلونزا الخنازير في الحج. عندها لم ندع إجراء إلا اتخذناه ولا احتياطا إلا فعلناه. وبمجرد أن وقف الحجاج في رحاب الطهر والإيمان رفعوا أيديهم إلى السماء وغسل أجسادهم المطر تماما مثل ما غسل أرواحهم رحيق الدعاء فتساقط من الحجاج أدرانهم ونسوا ونسينا نحن معهم شيئا اسمه «أنفلونزا الخنازير». كان الناس في الحج يمارسون عباداتهم براحة تامة ولم يكونوا مهمومين بما يقوله العالم عن الخنازير!! «هنا» في المشاعر المقدسة كانوا يتزاحمون ويروحون ويموجون لكن شيئا من الخوف لم تر ولم تسمع به وكان هذه الأنفلونزا الخنازيرية مجرد كذبة كبرى عشنا فيها فترة طويلة. تذكرت تلقائية هذه الجموع التي داست بأقدامها في منى ما حاول أن يروج له العالم علينا وتذكرت تصرفات بعض مسؤولينا حين وضعوا يافتات أيام العيد بمنع القبلات والاكتفاء بمجرد المصافحة للمعايدة حتى كدنا نقبر نفوسنا من الخوف تحت التراب ونحن أحياء نرزق فوقه! وتجد ان الفرق بين الممارستين هي ذات المسافة في شعور الداخل، وهو ما أعنيه بان اهم أمراض العصر ذلك الذي يسكن دواخلنا وان علاجه لا يكمن في «مصحة» ولكنه في وهج «روح»!! خاتمة: ضاربو الدفوف قد لا يسمعون أحيانا صوتها!!.