المشهد الثقافي والإعلامي بصفة خاصة والحراك الاجتماعي بصفة عامة عند فئة من أفراد المجتمع يشي كل منهما بتسارع كبير في محاولة تغيير المفاهيم والمعايير ويروج لذلك - بدقة متناهية - المنادون لتغريب المجتمع واللاهثون خلف العولمة، بل ويطالبون بسرعة التغيير ويريدون فرض ذلك على المجتمع في شتى مناحي الحياة، دون أن يراعوا النمط المعاش وضوابطه ومرجعية المبادئ التي يتكئ عليها ذلك النمط، ودون حساب لما قد يكون هناك من تصادم بين النصوص الشرعية ومظاهر ومضامين التغيير المطلوب!. إن التغيير في الحياة يفرض أنماطاً اجتماعية معينة مغايرة لما سبق، وتبدو مظاهر وجوده في سلوكيات الأفراد وتصرفاتهم من حين لآخر تدريجياً حتى تأخذ شكلاً وأسلوباً يختلف عمّا سبق، ولا يكاد يصل إلى شكله النهائي حتى تبدأ دورة التغيير من جديد، ولا يستطيع الرافضون للتغيير الوقوف في وجه هذا المدّ، لأنه سنة من سنن الحياة، تفرضه طبيعتها بغض النظر عن القبول والرفض. وكثير من الناس يصف التغيير بأنه رياح تجري في المجتمعات لا تستطيع المصدات الشامخة أو الرافضون الوقوف أمام هذه الرياح العاتية والأمواج العالية التي تعبر اليابسة والبحار والمحيطات من الشرق إلى الغرب، والعكس وإلا جرفته رياح وأمواج التغيير وحيداً على ساحلها ومرت دون توقف. ولكن العبرة هنا بسمو التغيير ونبله. وليس للكثرة أي عبرة قال الله تعالى : [قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ] إن القائمين على توجيه دفة التغيير لهم تأثير في تشكيل صورة ونمطية التغيير، فبقدر ما يحملونه من أفكار ومقاصد وأخلاقيات، فإن التغيير يأخذ ذلك الشكل لأنه مرآة تعكس الصورة الحقيقة لتوجهات وأخلاقيات وسلوكيات القائمين عليه، ولهذا كان تغيير وجه التاريخ وتوجيه بوصلته إلى النور والعدل والمساواة والحرية ومكارم الأخلاق والأمن والاستقرار نتيجة طبيعية وحتمية لما كان يتمتع به قادة التغيير في صدر الإسلام الذين تلقوا تعليمهم في مدرسة النبوة , ونهلوا من ينابيعها فكانوا مشاعل نور ومنارات هداية. وكان التغيير إيجابياً فسعدت به البشرية ويسعد به كل من يسير على هداه حتى يوم القيامة. بعكس التغيير الغربي الذي جعل الأخلاق والأمن والعدل والسلام آخر اهتماماته. والتغيير للأسوأ سرعان ما يتلاشى ويضمحل ولا يبقى قوياً وفاعلاً بل يعود من حيث أتى ليستقر في مزبلة التاريخ وإن بقي له بثور بشعة في المجتمع. فالملاحظ أن من يقود دفة مركب التغيير إذا كان التغيير سيئ وسلبي فإنه لا يملك الأدوات التي يستطيع إقناع المعارضين بها حين مواجهته بالسلبيات علاوة على ما يلحقه من الإثم بقدر آثام الذين غرر بهم وأوقعهم في حمأة السوء والفساد. الحياة من طبيعتها التغيير، والإنسان نفسه كائن متغير في مفاهيمه وسلوكياته واهتماماته ونظرته للحياة، منذ أن يرى نور الحياة حتى يغمض عينيه في الوداع الأخير! ولكن التغيير المطلوب هو ما يكون إيجابياً في إطار الدور الذي خلق الله الإنسان من أجله. بيد إن التغيير الذي يسعى إلى تحقيقه الساعون الآن وفرضه على مجتمعاتنا الإسلامية بدعوى أن التغيير آت لا محالة وأن هناك سوابق تشهد بأن المعارضات التي تحدث تتلاشى وتختفي سريعاً مع مرور الزمن، وضربوا أمثلة بحالات كانت محل اعتراض ثم تم قبولها وممارستها وجعلها نمطاً وسلوكاً معتاداً للجميع بما فيهم المعارضون السابقون. لا شك أن الظاهرة حين تحدث وتكون محل معارضة ويتم قبولها فيما بعد فإن ذلك لا يكون دليل قطعي على صحتها في جميع الأحوال، فالتغيير لا يكون إيجابياً، ما لم تكن وسائله وأدواته ومناهجه ذات أخلاقيات عالية ومقاصد نبيلة سامية، لأن من عارض وجود ظواهر وأمور معينة، ثم حدث أن انتشرت فيما بعد ومارسها الناس، فليس معنى ذلك اختفاء وجه المعارضة بالكلية فالجوانب السلبية التي تأسس عليها الرفض لا زالت موجودة. فالجانب السلبي الذي تنهض بسببه المعارضة لا ينتفي بمجرد انتشار الفعل فالممارسة وحدها لا تدل على المشروعية فالتدخين كان مثلاً مسبة وفعلاً قبيحاً، ومع أنه انتشر بين الرجال والنساء إلا أنه لازال مذموماً وقبيحاً ومحرماً عند كثير من الفقهاء. إن استيراد الأفكار والأنماط السلوكية الغربية والدعوة لممارستها إنما هو طعن في صلاحية الشريعة وشموليتها لشتى مناحي الحياة. ومحاولة للتغريب بمبررات وحجج واهية، فالخير يبقى كما هو والشرّ يبقى، فالشوك لا تجني منه العنب. ودعوة بعض التغريبيين الآن يعبر عن انتكاسة وعودة للعصر الجاهلي المظلم أخلاقياً وسلوكياً وتعاملاً مهما حاولوا تزيين هذا الباطل وتحسينه. اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بشر فأشغله في نفسه ورد كيده في نحره.