لا أعتقد أن العنف الأسري يصل إلى حد الظاهرة في مجتمعنا، إلا أنه يمثل واقعاً معاشاً يتفاوت من مكان إلى آخر، لأسباب مختلفة منها ما يمكن نسبته إلى الثقافة المجتمعية من العادات والتقاليد التي ظل يتربى عليها الأبناء والبنات الذين يشكلون الأجيال المتعاقبة وبالتالي تنتقل معهم تلك التقاليد والعادات، مع التجذير الخاطئ للنص القرآني الكريم في ضرب النساء حال نشوزهن وجعله حلاً أول لتلك المشكلة التي يجهل تفسيرها الكثير، ولغيرها من الأمور الحياتية داخل الأسرة، واعتباره أداة لتوصيل المفهوم الحسي للقوامة، ومن الأسباب أيضاً عدم القدرة على التكيف مع المؤثرات الحياتية التي تعصف بالأسرة فيكون العنف والضرب أحد وسائله بمثابة الكابت العملي لمزيد من الإنفاق اليومي، ومدارة للقصور في أسلوب التحاور بين الزوجين، بخلاف الشك، والغيرة، والبحث عن النشوة، وتعويض عن الشعور بالنقص، والعدوانية التي يعاني منها البعض مع عدم إغفال أن العنف هنا في ظاهره ذكوري، إلا أن المرأة تمارس الضرب وبطرائق أخرى لا يجيدها سواها، كاستعداء الرجل لينوب عنها بفعل الضرب، وتفعيل الكيد للضرب بغير سوط أو عقال! وما يُنشر عبر الصحف من أنواع العنف الأسري التي تبدأ بالضرب وهو الشائع وتنتهي بإزهاق روح بغير حق، أو عاهات دائمة وإصابات تخلف ندوباً وآثاراً لا تقتصر على الجسد. يتطلب تدخلاً رسمياً، وحراكاً ثقافياً، وإعلامياً، إذا لا يليق بمجتمع مسلم يتعبد الله سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة والحسنة من حيث لا إكراه في الدين، ينقلب إلى موروث جعل من سلوك النبي العظيم في التعامل مع زوجاته ونساء المؤمنين ومن سار على منهاجه القدوة الحسنة، للترويح الوعظي، والترفيه المنبري، وصدمة سلبية لغير المسلمين، ومادة خصبة لرواية لا تنتهي عن حقوق الإنسان يُفترض أنه هو المنافح والمتخلف بها، والأولى بتطبيقها لأنها من صلب عقيدته. أيضاً جانب التنوير يكاد يكون متأخراً كثيراً عن حركة الحياة في هذا الموضوع الحياتي المهم إلا من محاولات اتخذت من نقل العلاقات الإنسانية منفذاً لنقد المجتمع وتصويره على أنه غريزي، أو لا يريد أن يفهم، والاكتفاء بمطالب من البعض بين فينة وأخرى لتوصيف العقوبات التي يجب أن تطبق في وقائع العنف الأسري وفي غيرها من القضايا والمشاكل التي يوكل للقاضي الاجتهاد في الحكم فيها، وموالاة التأسيس للعلاقة الأسرية من خلال الكتاب المدرسي، والشريط الوعظي، والوسيلة الإعلامية فالعنف يولد العنف، ومن الخير أن تصبح رسالة مجتمعنا أخلاقية مكتوبة يقرأها الجميع، قبل أن تتلقفنا لغة الجسد بمورثات الانتحار الأخلاقي.