اعتذار الشيخ الدكتور عايض القرني ل\"بائعة الفصفص\" يوم الثلاثاء الماضي في زاويته الرمضانية بصحيفة \"الشرق الأوسط\" جاء اعتذاراً جميلاً وعميقاً من جهتين، من جهة المبدأ فالاعتذار عن الخطأ شيمة وميزة وخلق عربي إسلامي نبيل، ومن جهة الطريقة فالشيخ اعتذر بمنظومة جميلة، والنظم أحياناً أبلغ من النثر وأوقع لما فيه من جرس واختصار. وهذه المنظومة الاعتذارية تؤكد لا شك براعة الشيخ في النظم، بل إن براعته هنا أفضل من براعته في منظومة \"لا إله إلا الله\" مع أن هذه المنظومة أشرف وأسمى وأهم نظراً لشرف موضوعها. وأنا أحترم الشيخ عايض وأقدره، كما أحترم \"بائعة الفصفص\" التي اعتذر لها، وقبلهما ومعهما أحترم الشعر وأقدّره، ولذا أشعر أن الشيخ عايض مدين للشعر باعتذار من نفس المبدأ وبذات الطريقة، فأنا أعرف أن الشيخ من كبار متذوقي الشعر وعارفيه، ولولا معرفته وتذوقه لما كان نظمه بهذا المستوى الجميل، وأنا أثق في معرفته وذوقه، وهو قال لي إن له شعراً، لكنني مع الأسف لم أقرأه، وكل الذي قرأته له كان من النظم الجيد، ولذا أعتقد أن معرفة الشيخ بالشعر وتذوقه له سيقودانه حتماً إلى الاعتذار للشعر عن نظمه الذي نسبه إليه، وهو منه براء، فخلط الأنساب لا يقبل خاصة من مثل أبي عبدالله. ولدعم هذا التوجه الاعتذاري، ولأنني من زملاء الشيخ اللاحقين في المعهد العلمي الذي أنتج عدداً لا بأس به من النظام، فقد نظمت عشرين بيتاً أعارض بها منظومة الشيخ الاعتذارية، ولو أردت لأوصلتها مئة بيت، فباب النظم مفتوح، وهي مداعبة للشيخ لا أكثر وأريد أن أحقق بها أحد هدفين، الأول: إذا كان الشعر مجرد وزن وقافية وموضوع، فأنا شاعر، لكنني مقلّ، أو قل غير ممارس، وأرجو ألا ينازعني أحد في أن منظومتي من عيون الشعر العربي، وأما الهدف الثاني فهو ترقيق قلب الشيخ عايض، وحثه على الاعتذار للشعر إن كان يرى أنني لست شاعراً. قال الشاعر \"الذي هو أنا\": الله قدّر أن تُنضّد أحرفاً=فتظنها شعراً أنيقاً مترفا أنا لا ألومك أن تظن، فكم هوىً=أودى بصاحبه فصار مُطفِّفا لا. لست وحدك من يظن نظيمه=شعراً، فكم من ناظم قد أسرفَا هذا «بن قيس» قال نظماً فانبرى=ذاك الخليفة ناقداً ومُعنّفا سأل «بن قيس» أين شعرك يا فتى=أتظنني ممن ينام على القفى الشعر معروف وكلٌّ يدّعي=لكن ذوق العرب دام مُرفرفا هذا «صفي الدين» معْ أقرانه=وضعوا لعصر الانحطاط مُؤلَّفا والناظمون لوهمهم من قبله=هاموا، وهامُ الشعرِ ظلّ مُشرَّفا ظنوا «العروض» قصيدة فتسابقوا=نظماً على وزن الخليل «قفا.. قفا» ظنوا «البلاغة» سجعة مكرورة=في النظم، فانساقوا انسياقاً أجوفا الناظمون تقوّلوا وتحزّبوا=لكن «نقد الشعر» قال وأنصفا ما عبت نظمك «للشهادة» يافتى=لكن بحر الشعر يرفض مُجحفا إن «الشهادة» فخر من يدعو بها=والنظم يشرف بالشهادة إن هفا يا ناظماً، هب أن مثلي لم يقل=ما قلتُ، هل ذِمّتك لن تتعففا لو قلت يا «متنبياً» يا شاعراً=أتظن قوم الضاد لن تتأفّفا والله إني ناصح أن ترعوي=عن ادعاء لست فيه مُكلّفا فالنظم ليس نقيصة يا عالماً=بالنظم، عند من القريض له جفا كم ناظم سهُلَت بمنظوماته=دررُ العلوم، فخُلّدت، وتشرّفا الشعر موهبة، ولستَ مهيأ=للشعر، فانظم ما تشاء مُتفلسفا يا شعر عذراً، إن «عايضَ» ناظمٌ=يسعى إلى طيب الكلام تلهفَا فاعذره، إن ظن القريض ميسّراً=للكلّ، طوبى للكبير إذا عفا