الشيخ الدكتور عايض القرني ليس شاعراً قطعاً ، هذه مسألة محسومة عندي وعند الزميل عبده خال مع تحفظي الشديد على تحذيره غير المقنع وعند كل متذوق للشعر قادر على التفريق بينه وبين النظم، بل أظن أن هذه المسألة محسومة عند الدكتور عايض نفسه فهو لو لم يكن متذوقاً للشعر عارفاً بأسراره لما كان معظم نظمه جيداً. الشيخ الدكتور نظام محترف، والنظم عموماً فيه الساذج والبريء، وفيه الجيد والرديء ، وفيه الحسن والمرذول، وفيه المتميز بجودة صنعته وقوة سبكه، وفيه المهلهل المكسر الدال على جهل ناظمه بفن العروض وأسرار البلاغة، وفيه ما يشرف بشرف موضوعه، والعكس أيضاً صحيح، فالنظم كله بالفصحى أو العامية يدور حول \"موضوع\" ويكون هدف الناظم تبسيطه أو تقريبه من الأذهان، أو اختصاره أو إشهاره بالوصف الجميل واللفظ المؤثر والمحسنات البديعية والأساليب البلاغية، والأمثلة على جيد النظم ورديئه أكثر من أن تحصى، من ألفية ابن مالك، إلى منظومات أبي العتاهية وإلى ما ينسب للإمام الشافعي وإلى صفي الدين الحلي ثم إلى معاصرينا في المملكة من كبار النظامين أمثال الدكتور عبدالرحمن العشماوي والدكتور عايض نفسه. وأنا معجب بمعظم نظم الأخيرين، وما يقال عن النظم من صفات لا يصدق على الشعر، فإما شعر وإما لا شعر. لكنه يصدق على ما يشدو به الفنانون ومنهم أو في مقدمتهم بطبيعة الحال الفنان محمد عبده، فقد غنى شعراً، وغنى نظماً جيداً ورديئاً لكن أداءه وصوته يغطيان دائماً على عيوب الكلمات وحتى الألحان، فعلى الأقل، أنا شخصياً يطربني ويمتعني أبو نورة\"في كل أغانيه بغض النظر عن مستوى كلماتها أو لحنها، ومعظم أغانيه شعر رائع. ولا شك عندي أن منظومة القرني \"لا إله إلا الله\" من النظم الذي شرف وسما لشرف وسمو موضوعه، وهو شرف يتوج هامة الشيخ الذي نظمها والفنان الذي سيشدو بها بصوته، وكل من يجاريها من النظامين الذين سيتنافسون على المسابقة المليونية المرصودة للمجاراة، وكل من يقرأها وسوف يسمعها مستقبلاً بصوت \"فنان العرب\"، ف\"لا إله إلا الله\" والثناء على فاطر السموات والأرض ليست شرفاً وسمواً فحسب، بل عزة ورفعة للعبد في الدنيا والآخرة. ولقد قرأت كل ما وصلني أو وصلت إليه مما كتب عن تعاون \"الشيخ والفنان\" في الصحف اليومية والصحف الإلكترونية، ومواقع النت الحوارية الأخرى وما كتبه الشيخ عايض نفسه وما صرح به، وكذلك تصريحات الفنان محمد عبده، وبعيداً عن النوايا التي اختص بها علاّم الغيوب، و\"الشيخ والفنان\" مسلمان وكل مسلم لا بد أن يكون له هدف أخروي من أفعاله عند الله سواء تجرد فعله لهذا الهدف أو قرنه بهدف دنيوي آخر يعززه أولا ينتقص منه، أقول بعيداً عن تلك النوايا، فقد وجدت وهذه وجهة نظري الشخصية أن أفضل من كتب تحليلاً منطقياً مقبولاً لهذا التعاون بين الشيخ والفنان\" هو الزميل المتميز الشاعر \"فهد عافت\" في عكاظ يوم الجمعة قبل الماضي، ثم الزميل المسرحي الساخر \"محمد السحيمي\" في أخيرة \"الوطن\" يوم السبت قبل الماضي، ثم الزميل الأستاذ ساري الزهراني المشرف على ملحق الرسالة، في ذات الملحق يوم الجمعة الماضي، ثم الزميل الأستاذ تركي الدخيل في \"الوطن\" يوم الثلاثاء قبل الماضي، وقد رتبت ما كتبه هؤلاء حسب إعجابي الشخصي بمدى موضوعية وأسلوب ووعي كل منهم بالتجربة وأهميتها، وكل هؤلاء الأربعة كان الرقي وسعة الإدراك وعمق الرؤية رائدهم. أما ما عدا ذلك مما قرأت فهو غثاء من الشتم، والسخرية، والخوف والتشكيك المرتكزين على ظلامية بائدة أو تنوير مزيف، والتطلع والإصرار على كسر شوكة استقلالية فكر شيخ يسعى بكل ما أوتي من علم وقوة حضور وحجة وسعة أفق إلى الانعتاق من سطوة جمهور الانغلاق والغلو والتطرف وإلى الخروج من نفق تجييش العواطف وضيق ومحدودية الرؤى، إلى رحابة العقل المنفتح بضوابط الشرع المعتدل وتجربة الشيخ المتطورة، وفكره الحديث النير، يتجليان بوضوح صارخ في مقالاته عن تكريس اللحمة الوطنية وغيرها، ومحاضراته في السنوات الأخيرة، فبصيرته المتجددة المتنورة عن علم، ووعيه النابه عن مراجعة عميقة وإدراك رشيد واسع لا يخفيان، أو تثبيط همة فنان يعرف أعماق مجتمعه وتحولات أمته، ويدرك بحدسه وذكائه من أين تؤكل كتف الجمهور فيستغلها لردم الفجوات وتقريب المسافات وقطع طريق الساعين جهلاً أو غرضاً لتفكيك عرى اللحمة الوطنية التي أول من يحث على توثيقها وتكريسها ديننا العظيم ذاته، وتجربة فنان العرب في الأغاني الوطنية وتقريب اللهجات لا تخفى. ويا شيخ العقلاء المستنيرين بهدي القرآن العظيم عايض القرني، ويا فنان العرب صاحب التاريخ الوطني المضيء محمد عبده، أمضيا في مشروعكما النبيل ولا تلتفتا ولا تردا ولا تدافعا، دعوهم كما قال من شبهتما بعضكما به، في مبالغة مقبولة بالنظر إلى هدفها، المتنبي القائل: ويسهر الخلق جراها ويختصم. وسوف يعون ويصطلحون بإذن من تثنيان عليه في أنشودة \"لا إله إلا الله\"، فمن هنا أيها الشيخ وأيها الفنان ويا عشاق الوطن ويا أهل الغثاء : من هنا شع للحقيقة فجر من قديم ومن هنا يتجدد