الحوار الذي لا إطار له لن يصل إلى هدف. والحوار الذي ما زال يدور بين كثير من الزملاء الكتاب في \"الوطن\" وفي غيرها من الصحف حول التيار التكفيري والتيار التغريبي يدور مع الأسف الشديد خارج إطار محدد ومتفق عليه، ولذا لم ولن يصلوا إلى نتيجة يمكنهم الاتفاق عليها، فالحوار يدور حول مصطلحات رجراجة، واسعة يحتمل كل منها العديد من التعريفات المتوازنة، وربما المتناقضة، وهذه أمور طبيعية طالما الألفاظ والمصطلحات في سماء التنظير لا في أرض الواقع، وأرض الواقع الذي نعيشه ونتعايش معه يوميا مهيأة وصالحة لأن تكون الإطار الفيصل للحوار، فلسنا بحاجة إلى متاهة تحرير المصطلحات، ولا إلى تضييق آفاقها، فلندعها سابحة في فضاءاتها الحرة، يطاردها الأكاديميون والباحثون المتخصصون، أما المراقبون الانطباعيون فيكفيهم وجود ما يقيسون عليه، والأمير خالد الفيصل عندما تحدث عن التيارين \"التكفيري، والتغريبي\" وضع مقياسا واضحا ومعروفا وسهلا هو \"منهج الاعتدال السعودي\". وقال \"إن التكفيري يريد أن يسلخنا عن دنيانا، والتغريبي يريد أن يسلخنا عن ديننا وكلاهما له أجندة وبرنامج، فالتكفيري يريد أن يوقف كل تعامل مع الآخر ويستحل دم من يختلف معه في الرأي ويعمد إلى التخريب والتدمير بصرف النظر إن كان بين ضحاياه نساء وأطفال من المسلمين أو غير المسلمين، وقد انتهز التيار التغريبي هذا التطرف ليقدم للمجتمع السعودي البديل بنقل النظم والقيم الغربية وتطبيقها على هذا المجتمع بصرف النظر عن أن بعضها يخالف عقيدتنا الإسلامية\" ثم عدد الأمير بعد ذلك نجاحات \"منهج الاعتدال السعودي\" منذ الملك عبدالعزيز رحمه الله حتى يومنا، والأمير لم يحدد خصائص هذا المنهج لأنها معروفة من جانبين، فمن جانب تعريفه للتيارين المرفوضين يتبين: أن منهج الاعتدال السعودي منهج دين ودنيا لا انسلاخ عن الدين ولا انسلاخ عن الدنيا، ومن جانب الواقع المعاش فهو واضح حي، في حياة الوطن كله منذ عهد المؤسس حتى يومنا هذا، في العبادة وفي الحكم وفي السياسة، والاقتصاد، والثقافة، والفن والإدارة والمجتمع وكل جوانب حياة الناس ومعاشهم وعلاقاتهم وحقوقهم، وواجباتهم وآفاقهم، بمعنى أن الممارسة الحية الفاعلة لهذا المنهج من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى دليل آخر. ومع هذا فما إن انتهى الأمير من محاضرته التي ألقاها في جامعة الملك عبدالعزيز، حتى انطلقت الحوارات حول المصطلحات وضبابيتها، وحول انتقاء شواهد محددة من الواقع أو من الخارج لدعم مصطلح أو لتذويب آخر، بينما الذي يهمنا هو الوطن والجميع يعرف أن الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين، والخط المستقيم واضح، وهو المنهج السعودي المعتدل الذي يعرفه الجميع ويتعامل معه الجميع ويعيش تحت ظله الجميع، وهو باختصار \"الدولة السعودية\" التي قامت وتسير على هذا المنهج، فدعونا نتفق على إطار واضح يقول، ما تقره الدولة فهو لا تكفير ولا تغريب، وما ترفضه فهو إما تكفير وإما تغريب، وبوضوح أبسط فما تقره الدولة ويعيشه ويمارسه كل من على أرضها فهو منسجم مع \"منهج الاعتدال السعودي\" وبالتالي لا يصح تصنيفه ولا تصنيف من يقول به أو يفعله، لا إلى \"التكفير ولا إلى التغريب\" أما ما ترفضه الدولة فإن كان رفضا للدين فهو تغريب، وإن كان رفضا للدنيا فهو تكفير وتشخيص كل منهما واضح في تعريف الأمير للتيارين. أرجو أن يكون هذا فاصلا وفيصلا موضوعيا يلتقي حوله المتحاورون، دون اتهام لا صريح ولا مبطن، فطالما المقياس موجود، فهو من سيحدد التكفير والتغريب وما يفضي إلى كل منهما، وحيث إن الزميلين العزيزين شتيوي الغيثي وعبدالعزيز قاسم آخر من أثار النقع حول الموضوع، فإني أرجو أن يجدا في \" المنهج السعودي المعتدل\" إطارا للحوار يقيسان عليه ما يشاءان من مظاهر تيار التكفير أو تيار التغريب، وسيجدان في هذا القياس ما يقنعهما من شواهد الواقع، ويريحهما من متاهة تحرير المصطلحات التي لن تتحرر طالما أطراف الحوار يستشعرون أو يتوجسون ظلال المصطلحات، بينما المقياس أو \"الترمومتر\" موجود، وهو يغني الغيثي والقاسم وغيرهما عن الوقوف على الشاطئ، ويحفزهما على خوض البحر دون خوف من البلل.