كل عام وأنتم بخير. أعانكم الله على صيام رمضان وقيامه. منذ عرفت صيام رمضان قبل نحو أربعين سنة وروحانية هذا الشهر الكريم تتعزز في نفسي وتزيد. قبل أن أبدأ الصيام كانت قريتي تحتفل برمضان على طريقتها المتواضعة آنذاك، سواء في الأطعمة أو العادات، كان الرجال مواظبين على صلاة التراويح، ولا يعودون إلا والصغار والنساء بدأوا ألعابهم الليلية التي لا تستمر أكثر من ساعة أو بعضها، وكان بعض الرجال يشاركونهم والبعض يتسامرون ويستمعون إلى الراديو. وبعدها انتقلت إلى المدينة فلم ألحظ تغييراً في روحانية الشهر الكريم، تطورت سفرة الطعام وتغيرت بعض العادات، لكن العبادة ذاتها لم تتغير ولم تذبل، ولن تذبل. إن من نعم الله علينا أننا نعيش في هذا العصر، عصر ثورة الفضاء والاتصال والنت، العصر الذي يؤكد عظمة الإسلام الحق. الإسلام لا يرفض الحياة ولا العلم، لكنه ينظمهما، ويعلم المسلم كيف يتعامل ويتطور معهما، وكيف يثبت للدنيا كلها أن دينه محفز للتطور والإبداع لا عائق لهما. منذ «أم حديجان» التي كان يسمعها البعض من الراديو كل مغرب رمضاني قبل أكثر من أربعين سنة، إلى «طاش» وأخواتها التي يستمتع بمشاهدتها الناس كل مغرب رمضاني اليوم، لم تتأثر روحانية رمضان سلباً بأي صورة، بل إنها تتعزز وتتكرس في نفس الإنسان عاماً بعد آخر وهذه مسألة ذات علاقة وثيقة بالعمر والنضج لا بالمؤثرات الخارجية الأخرى. الناس يصومون ويقومون ويتصدقون ويتواصلون ولا سلبيات سوى تلك التي تعتري المجتمع البشري الطبيعي دون أن يكون لها علاقة بصيام أو فطر، بل إن رمضان الكريم يكون – غالباً – مفتاحاً لعلاج كثير من تلك السلبيات خاصة على مستوى العلاقات الإنسانية منذ أن عرفنا الدنيا إلى اليوم. الذي تغير هم الناس فكراً وسلوكاً، وهذا أمر طبيعي، والذي تغير هو المظاهر المصاحبة للشهر الكريم من الطعام، إلى برامج الفضائيات وهذا أمر طبيعي أيضاً، أما الروحانية، أما العبادة التي فرضها الله على المسلمين فلم تتأثر سلبياً أبداً بل إنها كما قلت تتعزز وتتكرس لأنها من الأمور الخاصة جداً التي يتعامل فيها المسلم مع ربه، والله وحده هو القادر على تشخيص نيته وإخلاصه، أما الممارسة الظاهرة للعباد فلا غبار عليها، المساجد تكاثرت والمصلون يتزاحمون والصدقات تترى هنا وهناك وكل هذه المظاهر تتزايد عاماً بعد آخر، وتصل أحياناً لدرجات من المبالغة. يتبقى بعد ذلك فئتان تتنازعان التحذير والتطمين حول ما تبثه الفضائيات في هذا الشهر الكريم، وفي نظري أنه لا موضوع بين الطرفين يستحق – فالفضائيات أكثر من أن تعد، والبرامج التي تبثها – فيما أعتقد – تناسب كل الأذواق وكل الأمزجة، بل وكل التيارات والأحزاب والأيديولوجيات، والجميع مسلمون يشهدون الشهادتين ويصومون رمضان، ولكل منهم في هذا الدين العظيم مخرج ودليل يدعم ما ينتج وما يشاهد، فلماذا التنازع والاختصام؟ لا شيء يستحق. ديننا العظيم لم ولن يكون في خطر أبداً، فالله جل وعلا ضمن له الأبدية والخلود في كتابه الكريم وعلى لسان نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام، والخطر كل الخطر على المسلمين الذين لا يعونه ولا يعقلونه، أما هو فمحفوظ من رب رحيم، ولذلك فإن التنازع والخصومة حول برامج رمضان الفضائية ينطلقان من أجندة خاصة ويهدفان إلى خدمتها وليس من الإسلام العظيم، ولا لخدمته، لأن إسلامنا الخالد ليس ورقة في مهب الريح. كل عام وأنتم بخير وأعانكم الله على صيام رمضان وقيامه.