في المقال السابق، ألمحت إلى نابغة الأمس و نابغة اليوم، سألح الآن على أن فكرة سوق عكاظ فكرة عبقرية و فكرة شاعر عكاظ فكرة عبقرية.، لجنة اختيار شاعر عكاظ تعادل بالاعتبار الموضوعي نابغة الأمس غير أن نابغة الأمس كان أكثر انعتاقاً من الهامش الضاغط لأن رأيه ما كان يترتب عليه إلا المعنى و القيمة الجمالية، بينما نابغة اليوم أكثر حرجاً لأننا نريد الجمع بين قيمة الشعر و مبرر استحقاق الفوز بالجائزة.. نابغة اليوم يضطرب و هو يوازن بين القصائد التي بين يديه لأن في ذاكرته سوطاً يلهبها، أعني سوط الجائزة.. إن هناك هامشاً ضاغطاً يجعل الشعر في مقابلة الجائزة و يجعل الخارج عن الشعر مشتبكاً مع شرط الشعر.. سأقول لكم بمعنى واضح إن المسألة ليست ذات صلة بالنزاهة.. مطلقاً، لا أنا و لا غيري نشك في النزاهة المطلقة للمشرفين ولأعضاء لجنة الاختيار، وليست المسألة أننا نعيب فكرة الجائزة، قلت من قبل إن فكرة شاعر عكاظ فكرة عبقرية و هي كذلك دون شك..ما هي المسألة إذن؟ إنها في الحرج الذي أظن اللجنة تعانيه وهي تقدم وتؤخر و هي تخشى حرج المفاضلة و ترك ما هو أولى بالاختيار/ لو على سبيل الظن/ وعلى ذلك فلماذا لا نغير في آلية الاختيار قليلاً.. اللجنة هذا العام، لجنة اختيار شاعر عكاظ و ربما شاعر شباب عكاظ كانت من خمسة شعراء عرب.. كان الأولى في حسباني ألا يختاروا قصيدة أو قصيدتين هي الأكثر جمالاً، كان الأولى اختيار مجموعة من القصائد لأكثر من شاعر، لنقل ست قصائد مثلاً أو أكثر قليلاً، كلها تتنافس في جائزة شاعر عكاظ، ثم يختار الشاعر الفائز للجائزة بالاقتراع بعد ذلك، بالاستهام بين الشعراء.. يعني ستة مثلاً كلهم يستحقون أن يكونوا شعراء عكاظ والاستهام أو القرعة هي التي تفصل بينهم.. و الأمر الآخر أن تكون هناك لجنة أولية تفرز النصوص الأضعف التي لا ترقى إلى مستوى المسابقة لتتفرغ اللجنة الرئيسة بعد ذلك للقصائد الأكثر امتلاءً، والأكثر شعرية على وجه التحديد.. ثم ما وجه هذه الفكرة التي تجعل للشعر عمراً، أعني فكرة شاعر شباب عكاظ؟ يؤسفني أنني أشعر أنها فكرة ليست مقنعة.. إن العمق الشعري فوق كل اعتبار زمني.. تفتيت الجائزة بهذا الشكل عمل غير ثقافي، إنه عمل يوشك أن يكون اقتصادياً.. الذي أقترحه أن نجعل المسابقة مفتوحة للشعر فقط بغير اعتبارات للأعمار و بغير تحديد للفكرة و الموضوع.. يمكن أن تكون جائزة شاعر عكاظ لشاعرين مثلاً بالتساوي مناصفة فإن شاعر عكاظ يمثل فكرة لا يمثل شخصاً و لا ذاتاً.. ألم تجعلوا جائزة الفن التشكيلي مناصفة بين اثنين؟ لماذا نفيتم الذروة في الفن التشكيلي و لم تنفوها في الشعر العظيم المتسع و هو أولى؟ هذا أكثر إنصافاً وأقرب إلى مراعاة طبيعة الشعر وأوسع ثراءً وأكثر إشهاراً للشعراء المميزين المتفردين.. هناك فكرة أخرى: لماذا تشترطون أن تكون هناك دواوين شعرية صدرت أو طبعت للمشاركين؟ هناك شعراء كبار لم يصدروا و لو ديواناً واحداً، هل تذبل قصائدهم في الظل؟ ثم أريد أن أقف عند فكرة الموضوع الذي حدد لقصيدة شاعر عكاظ هذا العام و اشتراط أن تكون عن التضامن العربي.. نحن كلنا نكبر الفكرة من حيث المبدأ ومن حيث معناها، ولكن مثل هذا الموضوع يمكن أن نتحدث عنه في بحث إنساني.. أما أن يعالج في قصيدة شعرية فإننا سنكون بهذا قد أفسدنا على الشاعر فاعلية عقله الشعري، إننا نوقعه في السجن الموضوعي، تحديد الموضوع قيد و هو بعد ذلك يعني إيقاع ما هو مطلق - الذي هو الشعرية- في قيد ما هو محدود – الذي هو الفكرة المحددة أو الموضوع المحدد-.. وإذاً فالأولى في ظني أن يتجاوز المشرفون على سوق عكاظ هذه المسألة.. اجعلوا يا سادة منافسة شاعر عكاظ منافسة شعراء و شعر لا منافسة أغراض شعرية.. هناك فارق كبير بين هذا و ذاك..