الجامعات إن لم تتحوّل إلى بيئة حاضنة للإبداع بكل معانيه فباطن الأرض خير لها من ظاهرها. و جامعاتنا اليوم بحاجة إلى رعاية المبدعين ودعمهم وتبني مشاريعهم الفكرية والعلمية، وتسجيل براءات اختراعهم، وقد كشفت نتائج براءات الاختراع المنشورة حديثا حصول المملكة على المرتبة الأولى عربيا وهذا مؤشر أمل قادم لزمن سعودي جديد. قبل فترة كتبت مقالا بعنوان “فيزيائي في زمن الشعر الشعبي” عن المخترع مهند أبو ديّة، ودعوت إلى رعايته بعد أن عانى ما عانى بسبب الحادث المروري الذي فقد فيه بصره، وحمدت بعد ذلك لشركة الاتصالات السعودية موقفها من دعمه ورعايته. اليوم أكتب عن طالبين مبدعين أحدهما بكلية اللغة العربية بجامعة أم القرى هو الطالب سالم أبو بكر الزهراني، والآخر بكلية العلوم قسم الأحياء جامعة الملك سعود هو الطالب علي فلاح الزهراني. ما قدمه سالم وعلي في اختراعاتهما العلمية يكشف عن أن الإبداع لا يعرف التخصصات، ولا يؤمن بالأوراق، فهو عالم يستعصي على التحديد والتعليب. ولقد سرّني اهتمام معالي مدير الجامعة بمبدع الجامعة سالم ودعمه له بكل ما يملك، كما سرّتني العلاقة المتينة التي تربط المعلم بطلابه كما تجلت في جهود الدكتور والشاعر المبدع محمد العمري، وأرجو أن ينال علي بجامعة الملك سعود ما يستحق من الدعم والرعاية . إن البيئة العلمية شرط لنجاح أي مبدع، فعندما تتحول الجامعة إلى بيئة جذب حقيقية فسنجد كثيرين من أمثال مهند أبو ديّة وسالم وعلي. وعلى جامعاتنا أن توجد أندية متخصصة لرعاية المبدعين واحتضانهم وتدريبهم والإغداق عليهم فهؤلاء هم النبع الذي لا ينضب. مهند وسالم وعلي أثارا في ذاكرتي قصة الأستاذ الدكتور أحمد زويل العالم المصري الذي حصد جائزة نوبل في الفيزياء عندما سجل نظرية جديدة باسمه هي نظرية ( الفيمتو سكند ) لكن هذا الكشف العلمي لم يكن ليحصل لولا صبر المبدع ومثابرته والبيئة الجاذبة ( الجامعات الأمريكية ) التي مهدت ورعت هذا الاختراع العظيم. أحمد زويل تم تعطيل مناقشة رسالته للماجستير مدة عامين ونصف في جامعة الإسكندرية ؛ لأن قوانين الجامعة لا تعترف بالمبدعين فعندما أنجز رسالته في ستة أشهر كان مخالفا لأعراف الجامعة التي لا تجيز المناقشة قبل 3 سنوات. نوقش وحصل على تقدير ممتاز مع التوصية بطباعة الرسالة فأشار عليه أحد المناقشين العائد للتو من أمريكا أن يذهب إلى هناك فالجامعات العربية لا تستحق أمثاله. ذهب إلى أمريكا وحصل على الدكتوراه ونصحه مشرفه بالتوجه إلى إحدى الجامعات الأمريكية التي تضم نخبة فيزيائيي العالم وهناك دعموه وحين أنجز البحث المكلف به تم منحه درجة الأستاذية مباشرة ؛ لأن المبدع رجل فوق القانون. سالم وعلي ومهند وأحمد زويل نماذج للمبدعين، و الجامعات الأمريكية وجامعة الإسكندرية نموذجان آخران للبيئة العلمية، والنتيجة النهائية أمريكا والعالم العربي أين هي وأين نحن ؟. إن اختيار الجودة خيارا مستقبليا لجامعاتنا يعني رعاية هؤلاء المبدعين، والقدرات البشرية هي مكمن الجودة ومنجم العطاء، وعلى الجامعات أن تنسق مع مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية المواهب لتستقطب هؤلاء المبدعين، وتحميهم، وتفخر بهم، وهذا ما سنصنعه ولذلك أقول: يا سالم ويا علي تذكرا أننا سنكون معكما ولو كان الطريق طويلا.