تعيش الامة الاسلامية اليوم حدثا لايمكن لاي مسلم ان يتجاهله ، ولا لأي كاتب ان يتجاوزه الى ما سواه ، اليوم تزحف جموع الحجيج الى عرفات ، انها صورة دنيوية مصغرة ليوم الحشر الاكبر حيث تذرف العبرات وتشرئب النظرات وتعلو الزفرات تكلأها عناية المولى جل جلاله ويغبطها في ذلك كل مخلوقاته، فعند المشعر الحرام يذكرون الله ويسبحون بحمده ، فترتفع الاكف تضرعاً وتنهمر الدموع رهبةً فتغسل ادران العباد مما اقترفته الآياد ، انها ايام بل ساعات تعدل ما انقضى من العمر وما هو آت ، فهنيئاً لضيوف الرحمن طاعة الديان ومغفرة المنان ، هنيئاً لمن عاد كيوم ولدته امه ، وهنيئاً لك يا من تشرفت بخدمة ضيوف ربك الاعلى فأحسنت ضيافتهم ، واكرمت وفادتهم ، واحسنت تعاملهم ، واحتسبت الاجر والثواب من رب العباد ، فلا تدخرن ابتسامتك عن وجه اخيك الحاج ، فهي يقيناً صدقة . ولنا في اسلافنا القدوة الحسنة فقد كانت خدمة الحجيج لديهم شرفاً يتدافعون نحوه ، وهدفاً يتطلعون اليه ، تتجافى جنوبهم عن المضاجع من اجل راحة الحجيج وسلامة عودته ، ولا شك أن اختلاف الالسن والثقافات والاعمار من معوقات تقديم الصيغة المُثلى لخدمة من وفدوا الى بلادنا من كل فج عميق ، وهذا لن يثني من عزائمنا ويحول بيننا وبين ان ننشد الاسمى في ما يعود علينا بالاجر والثواب من عند رب الارباب ، ثم مايحقق لبلادنا مكانتها على الخريطه الاسلامية والدولية ، فقد كان قدر هذه البلاد الطاهرة ان تكون خادمةً لمقدسات المسلمين كما كانت مهبطاً للوحي ومشعلاً لهداية البرية ، ولعل من نافلة القول ان الكثير من ابناء الامة الاسلامية وغيرها لا يدركون حجم ما تقدمه المملكة العربية السعودية من خدمات جليلة لوفود الحجيج وتامين كل متطلباتهم الامنية والصحية والغذائية ونقلهم وتفويجهم واتصالاتهم وسلامتهم العامة ، وكم يُجند لذلك من طاقات بشرية ، وتقنية ، وما يُنفق على المشاريع التطويرية من ميزانيات قد تعادل ميزانيات بعض الدول ، ومن رغب في اكتشاف حقيقة ذلك فعليه ان يدرك سلفاً مقدار ما تتحمله الدول التي تعمل لمدة اربع سنوات متواصلة لتنظيم مسابقة رياضية تستمر لعدة ايام من جهود ونفقات ، بينما بلادنا ديدنها ذلك كل عام ، لملايين البشر في زمان ومكان محدودين . وفي ذات السياق احسب ان التجربة الفرنسية في توعية الحاج قبل قدومه من خلال اكاديمية الحج بباريس قد تسترعي اهتمام وزارة الحج ، فالمشاريع الحديثة للمشاعر قائمة على التقنية المستجدة ، وسلامة وسلاسة استخدامها والمحافظة عليها يتطلب توعية توازي ذلك الانجاز التنموي ، وكل عام والجميع بخير فغداً يحل على الامة عيد الاضحى المبارك .