أضحى الفضاء المعاصر مرتعاً لممارسات إعلامية، لا تحكمها أي معايير عقلانية تأخذ بعين الاعتبار حقوق الفرد والمجتمع، فتحولت رسالة الاعلام الفضائي العربي لدى بعض قنواته الى اهداف اقتصادية صرفة، نزع اصحابها الى الكسب السريع، غاضين الطرف عن ثمن ذلك النهم المالي، فتنوعت وسائلهم في استحلاب اموال المواطنين، فخرجت بعضها بمسابقات تداعب بها احلام المراهقين، بوسائل مبتذلة من قبل فتيات جميلات احترفن لهجة الجسد البخسة، امام سؤال بديهي لا يعجز عن الاجابة عليه طفل الرابعة من العمر، وإمعانا في ضحالة المحتوى والاستخفاف بعقول المشاهدين، يتخلل هذه البرامج اتصالات وهمية من فريق البرنامج، لا يخفى على المشاهد الراشد تصنعها، لدفع المراهقين الى استمرار المشاركة الفجة، وليس هذا فحسب بل هناك قنوات اخرى احترفت الهدف ذاته، وطورت وسيلته، مستغلة في ذلك المساحة الرومانسية الشحيحة في الوسط الاجتماعي العربي، التي طمست معالمها هموم اسواق الاسهم العربية، فسخرت التقنية الالكترونية لقياس العواطف العربية، فعلى المشاهد ان يرسل اسمه واسم الطرف الآخر ليكشف له الجهاز عن نسبة الدفء العاطفي بينهما، يا لها من تقنية استطاعت كشف ما لم تقو على اكتشافه عشرة زوجين عاشا عقودا زمنية، دون ان يقوى احدهما على اكتشاف عواطفه اتجاه شريك حياته، انه استغلال مستهجن لفتور العواطف العربية لجمع المال العربي، ومما يدعو للاشفاق ان بيوتاً قد تهاوت اركانها وتحطمت علاقاتها الزوجية، بعد ان كشفت لهم تلك القنوات بتقنيتها المزعومة برود عواطفهم، فلاشك انه اسلوب دنيء في جلب المال، وتفاعل غبي من مشاهدين آمنوا بنتائجها، ونزعت اخرى الى مسابقات جعلت مشاهديها يدفعون قيمة جوائزها، مستخدمةً الجسد الانثوي في اقتحام خصوصية المشاهد، ولعلها في هذا تروم اعادة توزيع الثروة بين المشاهدين، فأصحاب الحظ العاثر عليهم ان يدفعوا لصاحب الحظ الوافر، واخرى تقوم ببث ما يتوفر لها من مادة اعلامية مستوردة كما هي، في أي وقت تشاء دون مراعاة لعمر المشاهد او وقته، فبعض مقاطعها اعتداء صارخ على براءة الطفولة، وفي الدول التي انتجتها يتم مراعاة التنويه على عدم استحباب مشاهدة الناشئة لها قبل ان تقوم بعرضها، وتختار الوقت المناسب الذي يقل فيه تواجدهم امام الشاشة، وقنوات اخرى استنسخت برامج مفرغة من الحياء والحكمة، انتجت لثقافة غربية في بيئة غربية لا تصلح لبيئتنا العربية، ومع هذه المساحة الداكنة من الفضاء الاعلامي العربي، هناك مساحة نقية انبتت قنوات ملتزمة بالرسالة الاعلامية الهادفة، ذات توجه دعوي معتدل المنهجية، نتطلع الى اطلاق نسخة فضائية منها تخاطب المشاهد غير العربي، فهو اكثر حاجة الى متابعتها، لانها تقدم الدعوة بأسلوب متزن، يخلو من التطرف والشطط، فغير المسلمين هم الجمهور الذي يجب ان يستهدفه هذا النموذج المعتدل من صور الاعلام العربي الموجه، اننا امام هذا الفضاء المشحون بالغث والسمين، في حاجة الى ميثاق اعلامي لتقنين الرسالة الاعلامية العربية، فما يصعد الى اقمار العرب هو بث عربي، بأنامل عربية، وبأموال عربية، مستهدفاً مواطنين عرباً، في ظل انحسار الرقابة العربية، فهل تستطيع السلطة الاعلامية العربية ان توقف نزق بعض قنوات الفضاء العربي، التي تمارس يومياً ضخ الانحلال الى موروث الأمة الاخلاقي والتربوي ؟!.