كان يتحدث بلغة الواثق من أن حديثه سيثير دهشتي، يعزز ذلك لديه خبرته التراكمية في مجال العمارة والأعمال الانشائية ، حينما أفضى إليّ بما لديه من مخططات وتصاميم لفلل سكنية تلبي حاجة الاسرة السعودية الآنية، وتستجيب لتوسعها المستقبلي، لا تزيد كلفة بنائها عن مائتي ألف ريال سعودي ، وتضاعفت الدهشة عندما أصر أن ما يتحدث عنه ليس من أسفار تاريخ العمارة السعودية ، بل من وحي الاقتصاد المعاصر، راودني حينها التفكير في اقتصاديات المجتمع السعودي وما يدفعه المواطن من كلفة دون حصوله على ما يقابل ذلك في مواقف كثيرة من حياته اليومية ، مما افقده التوازن بين ايراداته ومصروفاته ، فتداعيات الانهيار الذي عصف بأكثر اقتصاديات العالم الصناعي قوة وثباتاً ، تستلزم منا مراجعة سياساتنا الشرائية في تأمين احتياجاتنا اليومية ، فلقد تعرض السلم الاقتصادي للمواطن لاهتزازات مالية جراء انهيارات سوق الأسهم المتواترة التي أعجزت فقهاء علم الاقتصاد عن تفسيراتها ، واليوم نرى العواصف الاقتصادية وهي تطيح بأعمدة الاقتصاد العالمي الواحد تلو الآخر ولم نقابل ذلك بإعادة صياغة استراتيجيات الانفاق الفردي والسلوك التجاري لدينا ، فنمارس السلوك ذاته في الرخاء والشدة ، وهذا بالتأكيد يتعارض مع الحكمة التي يجب ان نتعاطاها في التعامل مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي نعيشها ، فما طرحه محدثي لم يأت من رحم المختبرات العلمية ، او نتاجاً للمراكز البحثية ، إنه ببساطة اتى نتيجةً لهجر الحاجة المزيفة والبحث عن الحاجة الحقيقية ، فالذي كان يدفع الكثير من المال في شراء تلفزيون بستة انظمة في الوقت الذي كان فيه الارسال السعودي يبث بنظام واحد ، لا زال يمارس الاسلوب ذاته في تأمين احتياجاته فهو يبحث عن احدث اجهزة الحاسب ويحشوها بعدد غير يسير من البرامج في الوقت الذي لا يتعدى استخدامه عن تصفح الانترنت ، إنه بكل بساطة يلبي حاجة غير حقيقية ، كما ان الذي يبني وحدة سكنية واسعة تفيض عن حاجته ، والذي يقترض لشراء سيارة فارهة ، يلبيان حاجة غير حقيقية ، ولا شك ان من يدفع مئات الألوف ثمنا لرقم هاتف مميز او رقم سيارة مميز ، قد تطرف كثيراً في السعي نحو الحاجة المزيفة ، اننا في حاجة الى رعاية الافكار الخلاقة التي تدفع بنا نحو المواءمة بين احتياجاتنا الحقيقية وامكاناتنا المالية ، لنحقق التوازن في اقتصاديات الاسرة السعودية ، مما لا يجعل الانسان اسير الحاجة المزيفة ، فمن يبحث عن الحاجة الحقيقية لبناء منزله أو لشراء سيارته او لتأثيث مسكنه أو لتأمين متطلباته الأخرى ، سوف يجد ما يلبي حاجته ، فالكثيرمن المطلوبين للسداد لدى البنوك ومؤسسات الإقراض ، لا زالوا يولون احتياجاتهم غيرالحقيقية الأهمية في ألتأمين ، فالتحرر من اسر الحاجات المزيفة يحتاج الى ارادة حقيقية غير مزيفة .