جاء عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال في حادثة تأبير النخل : « أنتم أعلم بأمر دنياكم»، وهذا النص مما يرفع به العلمانيون واربّاؤهم الذين في حجورهم – أعني الليبراليين والحداثيين - عقيرتهم ليل نهار مستدلين به على جواز الأخذ بتشريعات من خارج الشريعة الإسلامية بل فصل الشريعة عن الحياة ، ولو تأمّل هؤلاء قليلاً وشاء الله لهم الهدى والرشاد لعلموا أنّ المدى الزمني لعمل هذا النص قد انقطع بموته صلّى الله عليه وسلّم ، فليس بأيدينا الآن إلاّ النصوص المتعلقة بديننا من حيث حاكميّته على الحياة . فكل ذرة في الكون محكومة بحكمه القدري ، وكذلك كلّ عبد مؤمن يجب أن يكون محكوما بحكمه الشرعي ، والصحابة الكرام الذين فقهوا هذا الأمر عنه صلّى الله عليه وسلّم ميزوا هذا الأمر جيدا وعملوا به فنقلوا كل الأحكام التشريعية المتعلقة بحياتنا وهم أفقه الأمّة وأعلمهم بدين الله لم يكونوا ليجهدوا أنفسهم بنقل أحكام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الّتي أعفاهم من الأخذ بها ، وقد أجمع الصحابة والتابعون وتابعوهم وتابعو تابعيهم بإحسان على أنّ تلك النصوص التي نقلت لنا أحكام الحدود والمحرمات وأحكام الأسرة وأحكام البيوع وأحكام العلاقات الدولية وغيرها أجمعوا على أنّها من الأحكام الشرعية التي يجب أن تنصاع فيها نفوسنا راغمة لحكم الله ورسوله ، نعم حدث في ذلك كله اختلاف في جزئيات وتفريعات لكن التفريع والاختلاف كله كان يدور في فلك القرآن والسنة ، وهذا وحده دليل كافٍ على إجماع الأمّة أنّ هذه الأحكام ليست من أمور دنيانا التي نحن أعلم بها ، بل هي من صميم ديننا الذي ربّنا تعالى أعلم به منا كما قال تعالى : { والله يعلم وأنتم لا تعلمون } وهذا يعني أنّ كلّ مسألة تدخّل الشرع فيها إمّا بنص مسطور في الكتاب والسنة أو بإجماع منقول محكم فهذا إعلان بأنّ هذه المسألة بحكمها المسطور منطقة محظور فيها إعمال الاجتهاد والنظر تحت أي مسمى ، لأنّ هذا التدخّل يتناقض مع إيماننا وتسليمنا بأنّ الله يعلم ونحن لا نعلم ، ومن تلك المساحات مساحات المعاملات المالية وأحكام الأسرة والحدود الشرعية والعلاقة بالكفار فضلا عن أحكام التوحيد وغيرها مما بينه الله بيانا شافيا في كتابه ولم يبق منّا إلاّ التسليم وحسن الامتثال دون محاولة التهرب والزيغ عن صراط الله كما يفعل العلمانيون وأشباههم بذريعة النظر المصلحي ومن ثم تطلّب تشريعات تخالف ما أمر الله به متسترين بغطاء لا يستر عوراتهم وسوءاتهم الفكرية ، وليس استدلالهم بهذا الحديث إلاّ واحدة منها . والله المستعان . [email protected] د.أحمد بن صالح الزهراني