\"المملكة في حالة استنفار تنموي\" هذا الوصف أطلقه الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة وهو يطلع على كافة المشروعات التنموية التي يجري تنفيذها في محافظة الطائف وحدها، عدا تلك التي تنتظر التنفيذ أو التي مازالت قيد الدراسة. هذا \"الاستنفار التنموي\" يتطلب استنفاراً إدارياً من المسؤولين المعنيين والأمير يضرب المثل بنفسه هو من خلال جولاته الميدانية على مواقع تنفيذ المشاريع ولقاء المواطنين في محافظات ومراكز بعضها لم يصله مسؤول بحجمه من قبل. وقد لفت نظري قول الأمير خالد بأن ضعف المقاولين \"هو سبب تأخر مشاريع الطائف\"، وقد ربط هذا الضعف بنظام المناقصات الذي يرسي المشروعات للسعر الأقل – والشركات الضعيفة هي صاحبة السعر الأقل التي تغري النظام وتدفعه للترسية عليها، لكنها تخادن \"الفشل\" وأحياناً \"الفشل الذريع\" عند التنفيذ، وهذه المشكلة ليست وليدة \"الاستنفار التنموي\" الحالي، فهي مزمنة والشكوى منها لا تنتهي، لا في الطائف ولا في غيرها من المناطق، والغريب العجيب أن الكل يعرف أنها مشكلة حقيقية منذ عقود، ومع ذلك مازالت مستمرة، وكأن حلها من المستحيل. هذا الذي كأنه مستحيل – أقصد نظام المناقصات – سيبقى فيما يبدو مستمراً، لكنني أود أن أضيف سبباً آخر لتعثر المشاريع، فأهالي الطائف عبروا بوضوح عن تطلعهم لأن يقوم الأمير خالد بزيارة محافظاتهم ومراكزهم \"شهرياً\"، وهم يحبون الأمير، ويتمنون رؤيته يومياً، وليس شهرياً، لكن حبهم ليس الدافع الوحيد وراء تطلعهم للزيارة الشهرية، وإنما ثقتهم بأن إنجاز المشاريع مرهون بمثل هذه الزيارة، فهذه المشاريع التي تحت التنفيذ تشهد \"استنفاراً\" لإنجازها مع إعلان زيارة الأمير، والمعنى هنا ليس في \"بطن الشاعر\" وإنما في \"وجه الواقع\"، فهو مكشوف معروف، بل ومعلن. أمير المنطقة – ونحن في المملكة العربية السعودية، شبه القارة – لا يستطيع أن يتفقد ميدانياً \"شهرياً\"، وإلا فإن هذا معناه ألا يغادر مقعد سيارته، فمساحة منطقة إدارية من مناطق المملكة تضاهي مساحة دولة متوسطة الحجم الجغرافي، لكن أمير المنطقة يستطيع أن يفعل ذلك سنوياً، ويمكنه الاطلاع على تقارير مفصلة عن مشاريع كل جهة كل ثلاثة أشهر – مثلاً – ويستطيع أن يتابع ويحاسب من خلال الأجهزة الرقابية العامة – ومن خلال طريقته الخاصة في الرصد والمتابعة. أما \"المحافظ\" فيستطيع أن يقوم بجولة ميدانية كل أربعة أشهر \"ثلاث مرات في السنة\"، أو على الأقل كل ستة أشهر \"مرتين سنوياً\"، ويمكنه الاطلاع على تقارير مفصلة عن كل مشروع في محافظته كل شهر، إضافة إلى المتابعة والرصد والمحاسبة المنتظمة والمستمرة. أما مدير الإدارة المعنية، فإنه يستطيع الزيارة الميدانية للمشاريع التابعة لإدارته أسبوعياً، ويمكنه تلقي تقارير يومية عن سير العمل في كل مشروع، وإذا افترضنا وجود مدير عام منطقة في بعض الجهات الحكومية، فإنه يستطيع أن يتجول ميدانياً كل شهر، ويتلقى تقارير أسبوعية، مع المتابعة والمحاسبة بمختلف طرق المراقبة والرصد. إنني أفضل وأسهب في توضيح ما يعتبر من البديهيات، لكنني أفعل ذلك لأن هذا البديهي الطبيعي لا يحدث. ولو كان يحدث لما عبر الأهالي بوضوح عن تطلعهم لزيارة أمير المنطقة شهرياً. فهؤلاء الأهالي مقتنعون تمام الاقتناع بمقولة الأمير الساطعة المتكررة إنه \"بالإرادة والإدارة نحقق الصدارة\"، لكنهم يرون \"الإرادة\" تحققت، فالمشاريع اعتمدت والتنفيذ بدأ، لكنهم لا يلمسون \"الإدارة\"، ولذلك يتطلعون لزيارة الأمير شهرياً، لأنهم يلحظون أن زيارته تحرك \"الإدارة\"، ويودون أن يتلاحق الحراك شهرياً، لا سنوياً. حسناً. لو قام \"المحافظ، والمدير العام للمنطقة، ومدير الإدارة\" بما قلنا إنه بديهي لا يحدث غالباً الآن، فهل سيكف الأهالي عن تطلعهم إلى زيارة الأمير \"شهرياً\"؟ قبل أن أجيب أود أن أقرر أن حدوث ذلك يعني أنهم سيطمئنون أولاً أن صوتهم سيصل الأمير عارياً دون رتوش، وسيرون بأم أعينهم أن حراك \"الإدارة\" واقع مشهود يعيشون \"استنفاره\" يومياً، وهنا أستطيع أن أقول بكل ثقة إن تطلعهم للقاء الأمير سيكبر، أي سيتمنونه أسبوعياً وليس شهرياً، ولكن ليس للشكوى وتحريك \"الإدارة\"، وإنما تطلع له هدفان: أولهما، تتويج رؤوس الثلاثة المذكورين أعلاه، بأكاليل الإنجاز، والثاني تحميل الأمير بكلمة \"الشكر الضخمة\" للقيادة العليا، التي – بفضل إخلاص كل في موقعه – أصبح طريق الصوت الصادق المحب سالكاً إليها من خلال أمير المنطقة، المنتشي بالناس الذين قتلوا \"الإحباط\" ووضعوا أنفسهم وهو في مقدمتهم في \"الصدارة\".