الوظيفة أو العمل، الموظف أو العامل مصطلح يطلق على العاملين في القطاعين العام والخاص، نقول عن العامل في القطاع الحكومي موظف والعامل في القطاع الخاص عامل ولا أعرف سبب فرق التسميتين وإن كنت أميل إلى مصطلح العامل لأنها مشتقة من العمل وهو المطلوب في القطاعين العام والخاص والوظيفة في كلا القطاعين يفترض لها وصف محدد يتم من خلاله تحديد المهام المطلوبة من القائم بها يرافق ذلك الصلاحيات والامتيازات التي يتمتع بها ذلك العامل ومن خلالها يعرف ما له وما عليه وهنا أما أن يقبل العمل وفقاً لذلك أو يرفضه ولكن ما يجب الوقوف عنده هو عندما يقبل الموظف صغر أو كبر في منصبه الوظيفة بمسؤولياتها وامتيازاتها فإنه مطالب الالتزام بذلك وعدم تجاوزه سواء في ساعات العمل أو إنجازه أو تطويره، والملاحظ أن أغلب العاملين في القطاع الحكومي يقبلون الوظيفة ويتذمرون من امتيازاتها أو مخصصاتها ويكونون في هذه الحالة بين أربع حالات، أما العطاء وتحمل تباعات الوظيفة، وأما النظر للوظيفة على أنها ضمان اجتماعي وبناء على ذلك لا يقدم لها الموظف حقوقها التي تم الاتفاق عليها والنوع الثالث يستغل الوظيفة كمصدر للاستشراء المباشر وغير المباشر ويجعلها طريقا للسرقة والرشوة وغيرها من السلوكيات التي تفقد العمل والعاملين معه القدرة على العطاء، والنوع الرابع الذي يقرر الاعتذار عن الاستمرار في الوظيفة لعدم قدرتها على تحقيق متطلباته سواء العلمية أو العملية أو المادية ويبحث عن فرصة عمل تحقق له ذلك. الموظف المثابر القابل بهذه الوظيفة يجد نفسه مع الوقت يعطى الوظيفة الوقت والجهد وأحيانا المال وبهذا فإنه في نهاية المطاف يجد أن الوظيفة تسرقه حياته وماله وأسرته وفي المقابل فإن الناظر للوظيفة على أنها ضمان اجتماعي ولا يعطيها إلا الوقت القليل والجهد البسيط فإنه بهذا يسرق الوظيفة ويسرق في الوقت نفسه حقوق أصحاب الحقوق ممن يتطلب خدمتهم من خلال الوظيفة التي يحتلها وهو بهذا لا يعلم أنه يسرق الناس حقوقهم لاعتقاده أنه يقدم بقدر ما تقدم له الوظيفة من دخل مادي، أما المستثمر للوظيفة الاستثمار المباشر من خلال الشراكات الإلزامية مع كل من له مصلحة في وظيفته، أو أخذ الرشوة المباشر من خلال استغلال الوظيفة في العقود الحكومية أو المشتريات أو الاستثمارات أو.. أو حتى في أقل الأمور التي يتطلبها عمله أو بشكل غير مباشر من خلال استغلال حاجة الناس لوظيفته فما أن يدخل عليه أي مراجع له أو لمن هو مسؤول عنه أو مسؤول عليه إلا وتجده يسأل عنه وماذا يمكن أن يقدم له مقابل إنجاز عمله، والشواهد هنا كثيرة وكبيرة من مختلف المسؤوليات والمستويات، ومع أن الضرر واحد في استغلال الوظيفة من مختلف المستويات الإدارية إلا أن التأثير ربما يكون مختلفا، لأننا لا نتوقع أن يسرق المدير ولا يسرق مساعده ومساعد مساعده ومدير مكتبه ومكتب مساعده إلى آخر السلسلة الإدارية حتى يصل الأمر إلى سائق المدير وربما سائق السائق. أن الوظيفة الحكومية أو ما يطلق عليها الوظيفة العامة تتطلب إعادة النظر في وضعها الإداري والمكاني لأن كل المؤشرات تشير إلى أن المؤسسات الحكومية أصبحت طاردة للكفاءات وأن أغلب من يبقون فيها هم أحد الفئتين الثانية أو الثالثة، وإننا بذلك سنجد في المستقبل أغلب أن لم يكن كل مؤسساتنا الحكومية عبارة عن تكدس وظيفي دون إنجاز أو تطوير وبهذا تصبح الوظيفة الحكومية عالة على بقية مؤسسات الدولة في القطاع الخاص والخيري والمدني ولعل الأحداث المالية العالمية أوضحت وأكدت أهمية المؤسسة الحكومية القوية المنظمة لمختلف مؤسسات الدولة في كل القطاعات وما كنا نعتقده في الماضي القريب من أهمية تفعيل دور القطاع الخاص في مجمله دون وجود الرقيب الأمين القوي الحكومي أصبح محل نقاش ليس محليا فقط ولكن عالمياً وها هي المحاولات العالمية من أمريكا إلى أوروبا إلى آسيا تحاول أن تعيد ترتيب المسؤولية الحكومية الجادة لإعادة الأمور إلى نصابها والتأكيد على أهمية تحمل الحكومات مسؤولياتها تجاه شعوبها. إن الوظيفة يعيش العامل فيها ومعها بين أمرين أما أن تسرقه فيضطر أن يغادرها عندما يجد كما أشرت سابقاً أن الوظيفة الحكومية مهما كان منصبها عبارة عن هم وضغط مالي واجتماعي وأسري ونفسي وربما علمي وعملي وأنه مع الوظيفة وما تقدمه له من استقرار وظيفي لا يتحقق مع نظام وسلم الخدمة المدنية الحالي، حيث لا يتجاوز راتب أي من المسؤولين التنفيذيين في أعلى سلم الخدمة المدنية مثلا ال 300 ألف ريال في السنة هذا المبلغ مطلوب منه أن يغطي كل النفقات المباشرة وغير المباشرة من معيشة ومصاريف أسرة وتعليم وصحة وسفر وسيارات و.... و.......و ! ولهذا تصبح هذه الوظيفة سارقة للموظف مما يضطر معه أما أن يغادرها ويبحث عن فرص أفضل خصوصاً إذا كان يملك الكفاءة الملائمة، أو أن يبقي ويفقد مع الوقت القدرة على العطاء ثم يجد نفسه قد انضم إلى إحدى الفئات الأخرى التي سبق الإشارة إليها، أما الأنواع الأخرى من الموظفين الحكوميين ممن ينظر للوظيفة على أنها ضمان اجتماعي فهؤلاء لا يعنيهم البلد ولا مستقبله ولا تقدمه، والنوع الآخر من الموظفين الذين يعملون ليل نهار لاستغلال الوظيفة الحكومية واعتبار المؤسسة الحكومية مؤسسة خاصة كل العاملين فيها لخدمته وخدمة أغراضه الشخصية وكل ما يخصص بها ولها من اعتمادات مالية لا بد أن يكون له نصيب الأسد منها فلا مشاريع إلا وهو شريك فيها ولا داخل أو مراجع أو خارج إلا ويقدم ما يجب أن يقدمه له من خدمة. المرحلة الحالية والمقبلة تتطلبان إعادة النظر في وضع الوظائف والموظفين الحكوميين من حيث المسؤوليات والواجبات والالتزامات التي لهم وعليهم بما يحقق الاستقرار الوظيفي لكلا الطرفين المؤسسة الحكومية والموظف فيها مهما كبرت أو صغرت مسؤوليته ووضع الإدارة الرقابية الضامنة لأداء كل مسؤول عمله وفقا لما يجب أن يكون عليه، وألا نعتقد أن عدم الاهتمام بهذه المؤسسات وموظفيها سيقدم أي خير للعمل، لأن سمة العمل السليم هو التطوير والمتابعة والمراقبة والمحاسبة، وأخيرا لا يجعل من مؤسسات الحكومة أجهزة للضمان أو الشؤون الاجتماعية يأتي لها الموظف فقط لتسلم راتبه أو استغلال وظيفته. وقفة تأمل: قد ملكت القلب، فاستوص يه=إنه حق على من ملكا لا تعذبه على طاعته=بعدما تيمته فهو لكا غلب اليأس على حسن المنى=فيك، واستولى على الضحك البكا فإلى من اشتكي ما شفني=من غرام، وإليك المشتكى ____________________ * كاتب بصحيفة "الإقتصادية"