رسولنا ومسراه.. طفح الكيل محمد علي الهرفي أيام بائسة يعيشها العرب والمسلمون الآن؛ فرسولهم الكريم أصبح محل سخرية واستهزاء هنا وهناك، ومسراه \"فلسطين\" أصبحت مسرحاً للصهاينة الذين يقتلون أبناءها - نساءً ورجالاً وأطفالاً - غير عابئين بأحد، وكأنهم يعرفون أنه لا أحد يجرؤ على انتقادهم فضلاً عن مقاومتهم.. سبع عشرة صحيفة دنماركية تنشر صوراً تسيء للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ويصر أصحابها ومن وراءهم أن هذا الفعل يعد حرية صحفية تتماشى مع قوانين الدنمارك وأنه لا مجال لتغيير موقفهم.. وفي ألمانيا يدعو وزير الداخلية صحف بلاده لنشر هذه الرسوم في الصحف الألمانية ولنفس الأسباب التي ذكرها الدنماركيون، وعندما قيل له هل تسمح بكتابة أي شيء عن المحرقة اليهودية المزعومة حتى لو كانت هذه الكتابة علمية محققة؟؟ أجاب بالنفي المطلق ناسيا - أو متناسيا - حديثه عن الحرية الإعلامية المزعومة!!. وفي هولندا يعلن عضو البرلمان الهولندي رئيس حزب الحرية اليميني المتطرف \"جريت فيلدرز\" عن إطلاقه اسم \"الفتنة\" على الفيلم الذي يتحدث عن القرآن بإساءة شديدة، والذي يصف آيات القرآن الكريم بالفاشية والتحريض على الإرهاب.. وقال \"فيلدرز\" إنه سيعرض هذا الفيلم في نهاية مارس وسينهيه بصورة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تحمل مفاجأة!! الاستهزاء بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ليس جديداً عند الدنماركيين خاصة وسواهم عامة فهو - كما نعرف - يتكرر بين آونة وأخرى دون أي مراعاة لشعور المسلمين في العالم كله، ويبدو أن هؤلاء يعرفون ضعف هؤلاء المسلمين في العالم كله!! سألني بعض الصحفيين الشباب أثناء محاضرة ألقيتها عليهم قبل بضعة أيام في الرياض عن السبب في إعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول وهل سيكون للمقاطعة - إن وجدت - تأثير فعال يوقف أو يحد من هذه الرسوم؟؟ قلت لهم: اسألوا الشيخين القرضاوي والعودة اللذين أجهضا هذه المعارضة في المؤتمر المزعوم الذي عقد تحت شعار مناصرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حيث أصدرا \"عفوا عاماً\" عن أكبر شركة دنماركية - وسواها تبع لها - مما جعل بعض كبار الموردين يطيرون فرحاً بهذا \"العفو\" ويعيدون التعامل مع كل الشركات الدنماركية مما أجهض المعارضة وأصيب المسلمون بالإحباط الشديد مما فعله الشيخان الكريمان.. الحديث عن المقاطعة الآن لم يعد يحمل نفس الزخم السابق لأن الناس لم يعودوا يثقون بمشايخهم الذين خذلوهم سابقاً، فالشيخ القرضاوي دعا إلى المقاطعة ولكن هذه الدعوة لم تعد تؤثر في النفوس - كما كانت سابقاً - بسبب التناقض في موقف الشيخ سابقا وحالياً.. ومع هذا كله هل يجوز السكوت عما يحدث من إساءات للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟ بالطبع لا يجوز السكوت عن هذه المنكرات الهائلة لا من الشعوب المسلمة ولا من الحكومات المسلمة كذلك. الشعوب المسلمة عليها أن تفعل كل ما تملك في سبيل إيقاف هذا المد المسيء للرسول، وهذا الفعل يجب أن يكون ثقافة أصيلة عند كل فرد مسلم في أي مكان كان. والحكومات المسلمة هي الأخرى مطالبة بوقفة حازمة تجاه كل تلك الإساءات، فهذه الإساءات تحمل كل الدلائل على السخرية بها وعدم الاكتراث بوجودها أصلاً. الحكومات المسلمة تستطيع أن تقاطع اقتصادياً وسياسياً وتستطيع أن تتبنى حملة علمية جادة تعرِّف بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ومزاياه الفاضلة وهذا واجب من واجباتها. وكما استهزأ الدنماركيون وسواهم بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فقد قام الصهاينة ومن معهم بالشيء نفسه مع مسراه \"فلسطين\" ولكن هذا الاستهزاء كان من نوع آخر أشد وأقسى. في فلسطين يرتكب الصهاينة مجازر حقيقية، بل هي \"محرقة\" كما سماها نائب وزير الدفاع الصهيوني وكأنه يريد أن يعيد ذكرى محرقتهم على الفلسطينيين، هذه المحرقة التي استغلوها أبشع استغلال، وما زالوا يستغلونها ويضخمونها كثيراً، فإذا كانت هذه \"المحرقة\" مزعجة لهم فلماذا يريدون إعادتها مرة أخرى في فلسطين؟ في اليوم الذي أكتب فيه هذا المقال يكون عدد الشهداء في فلسطين ثلاثمئة وستة شهداء بينهم أطفال ونساء وشيوخ، أما الجرحى فعددهم يصعب حصره، هذا عدا هدم البيوت والمباني الحكومية، هذا العدد منذ انتهاء مؤتمر \"أنا بوليس\" وحتى قبل يومين من نشر المقال، ولعل هذا العدد الكبير وفي ظل حصار ظالم يطرح أكثر من سؤال على الشعوب العربية والإسلامية وعلى حكومات هذه الشعوب. الصهاينة يعلنون أنهم ماضون في مشروعهم الدموي حتى يتم إسكات أي صوت للمقاومة مهما كان خافتاً، بمعنى أكثر وضوحاً أنهم يريدون قتل الفلسطينيين دون أي مقاومة فإذا حدثت مقاومة مهما كانت فإن الإمعان في القتل هو الإجابة الوحيدة التي يملكها الصهاينة. وهنا أتساءل: ما جدوى مؤتمر أنا بوليس الذي تحدثوا فيه عن ضمانات حقيقية أمريكية لإقامة دولة فلسطينية؟ هل هذه \"المحرقة\" تحقق أو تساهم في إقامة دولة فلسطينية؟ ومن المؤسف أن يتحدث بعض القادة الفلسطينيين عما يجري في غزة وكأنه نتيجة خطأ ارتكبته \"حماس\" متجاهلين أن الصهاينة يمارسون جرائمهم قبل حماس وأثناء الهدنة مع حماس وسواها. بل إنهم يتجاهلون أن الصهاينة حالياً يمارسون جرائمهم ضد فصائل لا علاقة لها بحماس وليست موجودة في غزة. من المؤسف أن يدعي الرئيس الفلسطيني أن حماس تستضيف \"القاعدة\" في غزة وهو يعلم أن هذا الكلام يعطي ذريعة قوية للصهاينة لقتل الفلسطينيين كما يعطي الذريعة نفسها لكثير من الدول للصمت عن مجازر الصهاينة بحجة وجود \"القاعدة\" في غزة، من المؤسف أن يقول الرئيس وسواه إن صواريخ المقاومة \"عبثية\" ويطالب بإيقافها، لو كان عند الرئيس أو سواه قدرة على إيقاف المجازر الصهيونية إذا أوقف المجاهدون صواريخهم لقلنا معه حق فيما يقوله، لكنه يعرف أنه لا يستطيع فعل شيء فهل يلوم المقاومة على فعلها مهما كان ضئيلاً؟؟ على الرئيس وعلى غيره أن يدركوا هذه الحقيقة قبل أن يطالبوا \"المقاومة\" بالصمت، عليهم أن يؤمنوا سلامة الفلسطينيين أولاً ثم يطالبوهم بالتوقف عن إطلاق صواريخهم \"العبثية\". الصهاينة يقتلون البشر، ويدمرون المنازل فوق رؤوس أصحابها، وينذرون آخرين بإخلاء منازلهم لهدمها، والعرب يقفون متفرجين على كل ما يحدث!! لا ألوم القيادة الأمريكية على مواقفها الداعمة للصهاينة، ولا ألومهم على نقل تعازيهم لأولمرت من أجل موت طالب يهودي وصمتهم عن قتل المئات، فهذا العمل ليس جديداً عليهم فهم يمارسونه باستمرار في ظل صمت شبه كامل من العرب. ولا ألوم بعض الدول الأوروبية التي تمتنع فضائياتها عن نشر صور الأطفال القتلى والمنازل المدمرة وإنما تعرض صور بعض الأشخاص الملتحين وكأنهم هم الإرهابيون وليس الصهاينة. إنما ألوم أولاً القيادة الفلسطينية التي ما زالت تتحدث عن فرص للسلام وهي ترى بشاعة الجرائم الصهيونية، وكان الأولى أن تعلن إيقاف كافة المفاوضات مع الصهاينة لعدم جدواها، على الأقل لتحرج القيادة الأمريكية التي يتحدث رئيسها عن قيام دولة فلسطينية قبل انتهاء ولايته! وألوم بعض الدول العربية التي مازالت تتحدث عن فائدة علاقتها مع الصهاينة وكيف لا تقوم بقطع هذه العلاقات فوراً!! وأعجب من كل العرب كيف لا يتم التحرك لمساعدة أهل غزة، وهم يفتقدون كل شيء، الطعام والماء والدواء وسواها، ولو كانت هذه المآسي في بلد آخر لقدموا لها المساعدة!! الصهاينة لن يتوقفوا عند حدود غزة لكنهم سيتجاوزونها إلى سواها، وتاريخهم الأسود يقول كذلك، فإذا لم يتحرك الكل لإيقافهم وهم قادرون فقد يردد الكل في يوم ما مقولة الخليفة الراشد علي بن أبي طالب: إلا إني أكلت يوم أكل الثور الأسود!!