فقدت الأوساط الفنية قبل أيام الممثل والمخرج محمد الشيخ نجيب (1953/2012) لتشيع الدراما السورية هذا الصباح أحد أعمدتها وأبرز نجومها المخضرمين وهو الفنان طلحت حمدي (1941-2012) (الآغا كما يلقبه الوسط الفني) ودّع هذا العالم يوم أمس إثر إصابته بنوبة قلبية حادة فجأة. من يعرف حمدي عن قرب ومن كان يجتمع معه في مقهى الروضة الدمشقي يلمح تمرده منذ نعومة أظافره على العقلية التي قامت عليها دولة البعث، كما يعرف أنه كان ضد أساليب القتل والتصفية الممنهجة التي تتخذ بحق شعب أعزل. من جهة أخرى ينتبه من عرف الراحل الكبير أنه كان واحدا من نجوم الأبيض والأسود، كما أنه حمل نجوميته لزمن الملون وكان واحداً من نجوم الدراما السورية المعاصرة بأدوار خاصة لا يمكن لأحد سواه إجادتها بالطريقة المتقنة. قبل ذلك كان الممثل المخضرم واحداً ممن أسهموا في إغناء الحركة المسرحية من خلال إعادة إطلاقة منتصف القرن الماضي لفرقة العهد الجديد وتأسيسه للمسرح الطليعي ومشاركته فرقة الفنان محمود جبر، كذلك كان أول المنتمين لفرقة المسرح القومي يوم تأسست سنة 1960. فيما لعب بطولة مسرحيات المسرح القومي وعوقب لأكثر من مرة بسبب اعتراضه على بيروقراطية المؤسسات الرسمية انتهت باستقالته من المسرح القومي، فيما اعترض ذات مرة على أجره الذي لم يتجاوز 40 ليرة وقال لوزير الإعلام السوري يومها مقولة شهيرة عرفها السوريون (على الأقل ادفعوا للممثلين أكثر من الحمار الذي تستأجرونه في العمل نفسه!) . مع انطلاق التلفزيون كان حمدي واحداً من أبرز نجومه في سبعينيات القرن الماضي وبدأ في مسلسل ساري لعلاء الدين كوكش ثم حقق نجومية ساطعة بأكثر من عمل كرس حالة متابعة جماهيرية وشعبية خاصة مثل الهراس في عمل يحمل نفس الاسم والرماح في غضب الصحراء والأستاذ موفق في دائرة النار ثم حاز على قبول واسع عندما أدى دور شوكت القناديلي في السلسلة الشامية حمام القيشاني. على جانب آخر كان لطلحت حمدي تجربة خاصة مع الإنتاج والإخراج فقد أسس شركته الخاصة وأخرج حوالي عشرة مسلسلات منح فيها فرصاً هامة لعدد من وجوه الدراما السورية من بينهم مرح جبر وشقيقتها ليلى. لكن سرعان ما انكفأت التجربة بعد هجمة شرسة من رأس المال على قطاع الإنتاج التلفزيوني ودخول رجال النظام السوري في خضم الإنتاج واحتكارهم لهذا السوق. بعد نهضة الدراما السورية قوبل بطل دائرة النار بحالة من النكران والجحود وعدم التقدير لتاريخه الفني الطويل وجرب البعض تغييبه عن الشاشة، لكن كانت هناك ادوار تجبر صناعها على استدعاء موهبة بحجمه. هكذا، لعب أدوار بطولة في أنا القدس وكليوبترا وتوق وبيت جدي والشبيهة. بدون تمهيد وفي أسوأ زمن تعيشه عاصمة الأمويين رحل الفنان طلحت حمدي وترك مكانه شاغراً للأبد دون أن يغيب هذا الرحيل ذكراه الطيبة عن قلوب محبيه.