ان الفوضى التي تمر بها المجتمعات العربية بعد الثورات ليس اسبابها عوامل سياسية فقط بل ترجع الى عوامل تتعلق بالعقل ،اي طرق التفكير....لابد من اتفاق عقلي يؤدي الى انسجام في المصالح التي تتعلق بالجوانب المادية والمعنوية في المجتمع ،وهذا ما مر به المجتمع الفرنسي بعد الثورة الفرنسية حيث يرى اوجست كونت ان هذه الفوضى راجعة إلى وجود أسلوبين متناقضين للتفكير، التفكير العقلي والذي من خلاله يتم تناول الظواهر الكونية والطبيعية والبيولوجية وثانيهما التفكير الديني الميتافيزيقي والذي يتناول الظواهر التي تتعلق بالإنسان والمجتمع، ولقد أدت هذه الفوضى إلى فساد في الأخلاق والسلوك والتعامل مع قضايا وظواهر المجتمع المختلفة، فالخرائط الفكرية للعقل العربي تحتاج لتعديل في الجانب الاستاتيكي مازال هذا الجانب يتعامل بنظريات تقليدية مصممه لمرحلة تاريخية معينة يجب الانتقال من هذه المرحلة الى مرحلة اخرى بتطبيق نظرية اخرى تحوي على خريطة فكرية موحدة ديناميكية تستطيع ان تتعامل مع مشاكل وظروف العالم العربي ،فمثلا التجارب العربية متشابهة في مجال الديمقراطية لا احد يرضى ان يتقدم خطوة الى الامام ،بل ان معظم الدول العربية تقيد مفهوم الديمقراطية و حرية الافراد بذكاء المشرع القانوني الذي يعمل في النهاية في مجال النحو والصرف في اللغة العربية،فنحن نحتاج الى اتفاق موحد على طرق التفكير المتعلقة بالمفاهيم الموحدة للديمقراطية والحرية والأنظمة والقوانين السياسية والاجتماعية والثقافية وحتى الدينية بالرغم من وجود ديانة اسلامية عظيمة وموحده تجمعنا جميعا الا اننا لم نطبقها ولم نعمل بها بشكل يوفر لنا اطر فكرية متقدمة تؤدي الى الاندماج والتماسك والتوازن والتشابه والتقدم في ابنية المجتمع وحل كثير من القضايا التي سببت فوضى ادت الى انهيار كثير من المجتمعات العربية . ولأننا في المجتمعات العربية خاصة في الفترة الحالية لا نحتاج إلى مجلس وزراء او مجلس نواب لأنه ليس هناك أفكار موحدة متفق عليها من قبل المجتمع يقومون بإدارتها،ولكن نحتاج إلى مجلس مفكرين يتكون من الخبراء والعلماء المبدعين في المجالات العلمية المختلفة والمتميزين بالصدق والأمانة في المجتمع ،هؤلاء عندما يطرحون الافكار المثمرة المعبرة عن اراء المجتمع لا يحتاجون للجلوس خلف طاولة مزخرفة بالجلد او يحتاجون لجرس مكتب يشعل افكارهم او يحتاجون لمجموعة مسؤولين تخنق عقولهم ربطات اعناقهم او يحتاجون الى القاب معالي توقض لديهم حاسة النظر ليعرفون اسماؤهم او يحتاجون لسيارات فخمة متعددة الاظافات تجعلهم يجيدون استخدام الكمبيوتر او يحتاجون لسكرتيرات يعزفن لهم بصوت حذائهن مقطوعات موسيقية متعددة تلهمهم افكار تتعلق بالسياسية المجتمعية ....! لا ان كل ما يحتاجونه هو اعطائهم الفرصة الحقيقة بأن يقومون بإيجاد نظريات فكرية واقعية موحدة عن ظواهر المجتمع والعمل على إيجاد الأطر الفكرية لقطاعات المجتمع المختلفة وذلك من خلال عمل ندوات ومحاضرات متعددة ومختلفة الموضوعات مع الفعاليات والفئات المختلفة المكونة للمجتمع تمهيدا للوصول الى منظومة فكرية سياسية واجتماعية واقتصادية ودينية موحدة تمثل اراء الافراد المتنوعة لتطوير انظمة وقوانين المجتمع والانتقال للمرحلة اللاحقة بتأسيس مجلس ديمقراطي حقيقي يمثل المجتمع .