أوضح نائب رئيس الهيئة للآثار والمتاحف ورئيس الفريق العلمي الدكتور علي بن إبراهيم الغبان أن الاكتشافات في موقع المَقَر الأثري الواقع في منطقة متوسطة بين محافظة تثليث ومحافظة وادي الدواسر تدلل دلالة واضحة وجلية على أن الإنسان استأنس الخيل قبل تسعة آلاف سنة. وبين في مؤتمر صحفي عقد بمقر الهيئة في جدة اليوم أن الهيئة باشرت استكشاف الموقع والبحث فيه بشهر ربيع الثاني 1431ه/ , مشيرا إلى أن الفريق الاستكشافي عثر بالموقع على تماثيل لحيوانات استأنسها الإنسان الذي عاش في الموقع واستخدم بعضها الآخر في نشاطاته وحياته اليومية ومن هذه الحيوانات , " الضأن , والماعز , والنعام , والكلب -السلوقي- , والصقر , والسمك , والخيل . وأبان الغبان أن المواد الأثرية الموجودة بالموقع تدل على أن فترة العصر الحجري الحديث هي الفترة الأخيرة التي عاش فيها الإنسان في هذا المكان (9000) سنة قبل الوقت الحاضر وإليها يعود تاريخ الأدوات الحجرية التي تم التقاطها من سطح الموقع. وأفاد أنه تبين بعد إرسال أربع عيّنات من المواد العضوية المحروقة من طبقات الموقع الأثرية إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية لتحليلها في معامل خاصة بتحليل الكربون 14 لمعرفة أن تواريخ العينات في بداية الألف التاسع قبل الوقت الحاضر. وتطرق نائب رئيس الهيئة للآثار والمتاحف ورئيس الفريق العلمي إلى موقع " المقر " ومايتميزبه من تضاريس خاصة تمثل نقطة التقاء هضبة نجد بأطراف المرتفعات الشرقية تنتشر فيها تكوينات جبلية قليلة الارتفاع تتخللها الأودية ويخترق الموقع وادياً كان في الأصل نهراً جارياً ينحدر باتجاه الغرب مشكلاً شلالاً كبيراً يصب في الأراضي المنخفضة الواقعة إلى الغرب من الموقع . وأشار الدكتور الغبان أن أهمية الاكتشاف على المستوى العالمي تكمن في وجود تماثيل كبيرة الحجم للخيل في هذا الموقع مقترنة بمواد أثرية من العصر الحجري الحديث يرجع تاريخها إلى 9000 سنة قبل الوقت الحاضر إضافة إلى أن آخر الدراسات حول استئناس الخيل تشير إلى حدوث هذا الاستئناس لأول مرة في أواسط آسيا ( كازاخستان) منذ 5500 سنة قبل الوقت الحاضر وهو ما يؤكد على أن استئناس الخيل تم في قلب الجزيرة العربية قبل هذا التاريخ بزمن طويل . ولفت الانتباه إلى أن طول أحد تماثيل الخيل التي وجدت بالموقع 100سم وهو يمثل الرقبة والصدر ولم يعثر من قبل على تماثيل حيوانات بهذا الحجم في أي موقع آخر في العالم من هذه الفترة نفسها مشيرا إلى أن ما عثر في تركيا والأردن وسوريا لا يعدو أن يكون تماثيل صغيرة الحجم ومن فترة متأخرة عن هذا التاريخ وليست للخيل. وأبان أن تمثال الخيل الكبير الذي وجد بالموقع يحمل ملامح الخيل العربية الأصيلة ويبدو ذلك واضحاً في طول الرقبة وشكل الرأس ويوجد على رأس تمثال الخيل السابق الذكر شكل واضح لِلِجَام يلتف على رأس الخيل مما يشكل دليلاً قاطعاً على استئناس الخيل من قبل سكان هذا الموقع في تلك الفترة المبكرة كما صنعت هذا التماثيل من نوع الصخر المتوفر بالموقع والذي يُرى في أماكن عدّة بالمكان في الوقت الحاضر , مفيدا أن هذه التماثيل كانت مثبتة في بناء يتوسط الموقع على الضفة الجنوبية للنهر قبل مصبّه في الشلال وربما كان لهذا البناء دور رئيس في الحياة الاجتماعية لسكان الموقع. وبين الدكتور الغبان أن الموقع يوجد به حصن كبير الحجم مبني بالحجارة فوق تكوين جبلي يشرف على الموقع من جهة الشرق، وعلى الأراضي المنخفضة التي يصب فيها الشلال من جهة الغرب وتوجد بداخل هذا الحصن حجرات مربعة ووحدات بنائية متعددة بالإضافة إلى الأدوات الحجرية ورؤوس السهام , كما عثر بالموقع على مساحن لسحق الحبوب ونجر حجري وثقالات تستخدم في أنوال النسيج وبكرات للغزل والنسيج وجزء من إناء حجر صابوني يحمل زخرفة هندسية بالحز، وأدوات حجرية لمعالجة الجلود. وأشار إلى وجود رسوم صخرية من فترة سكنى الموقع رسمت فيها بالحز صور وعول ونعام وحيوانات أخرى وأشكال آدمية وتعرض إحداها صورة فارس على صهوة جواد وأخرى لصيد الوعول بالكلاب السلوقية، حيث تحيط خمسة من الكلاب بوعل في شكل دائرة وهذه الرسوم الصخرية اكتسبت طبقة عتق داكنة جداً وقريبة من اللون الأسود لتقدم تاريخها مما يؤكد أنها نفذت خلال فترة استخدام الموقع كما وجدت رسوم صخرية أخرى لخيول وأشكال آدمية على ألواح حجرية بين أنقاض المبنى الرئيس الذي يتوسط الموقع. وأوضح نائب رئيس الهيئة للآثار والمتاحف ورئيس الفريق العلمي أن المواد الأثرية التي جمعت من سطح الموقع يزيد عددها على الثمانين قطعة، وهي تشير إلى حضارة إنسانية متقدمة جداً من فترة العصر الحجري الحديث شهدتها هذه المنطقة قبل تسعة آلاف سنة، وأن هذه الحضارة تعد ثورة حقيقة في معرفة الإنسان ومدنيته وتطور مهاراته الحرفية متوقعا كاستنتاج أولى انتشار هذه الحضارة - التي أطلق عليها مسمى حضارة المقر نسبة إلى اسم المكان التي وجدت فيه .