كشفت الهيئة العامة للسياحة والآثار عن موقع أثري يطلق عليه "المقر" في منطقة متوسطة بين محافظة تثليث ومحافظة وادي الدواسر. وقال نائب رئيس الهيئة لقطاع الآثار الدكتور علي الغبان خلال مؤتمر صحفي عقد ظهر أمس في مقر الهيئة بمنطقة مكةالمكرمة: إن الهيئة العامة للسياحة والآثار باشرت استكشاف الموقع والبحث في ربيع الآخر 1431/ مارس 2010. وعثر الفريق الاستكشافي على تماثيل لحيوانات متعددة استأنسها الإنسان الذي عاش في هذا الموقع، واستخدم بعضها الآخر في نشاطاته وحياته اليومية، ومن هذه الحيوانات: الضأن والماعز والنعام، والكلب السلوقي، والصقر، والسمك والخيل. وقال "تدل المواد والأثرية الموجودة بالموقع على أن فترة العصر الحجري الحديث، هي الفترة الأخيرة التي عاش فيها الإنسان في هذا المكان قبل (9 آلاف) سنة قبل الوقت الحاضر، وإليها يعود تاريخ الأدوات الحجرية التي تم التقاطها من سطح الموقع. وأبان أنه لتأكيد تاريخ الموقع، أخذت أربع عيّنات من المواد العضوية المحروقة من طبقات الموقع الأثرية وتم إرسالها إلى أميركا لتحليلها في معامل خاصة بتحليل الكربون 14 لمعرفة تاريخ الموقع، وجاءت تواريخ العينات في بداية الألف التاسع قبل الوقت الحاضر. وأشار إلى أنه تم تحديد التاريخ باستخدام تحليل درجة الكربون المشع، المعروف بتحليل كربون 14 (C14) وهي تقنية تعتمد على قياس نسبة تقلص الكربون المشع في المادة العضوية عبر الزمن، كما تم إجراء الفحص على أربع عينات عضوية (عظام) مختلفة جمعت من أنحاء متفرقة من الموقع. وأوضح الغبان أن الإنسان عاش في هذا المكان قبل التصحر الأخير، أو خلال فترة التحولات المناخية التي انتهت بانتشار التصحر في المنطقة، ولعل تلك التحولات هي سبب استقرار الإنسان في هذا المكان. كما مارس سكان المكان الزراعة وتربية الحيوانات، وتنتشر على سطح الموقع مواد أثرية متنوعة من الأدوات الحجرية التي تشمل رؤوس السهام والمكاشط دقيقة الصنع من الأنواع التي استخدمها الإنسان في فترة العصر الحجري الحديث . وأشار إلى اكتشاف مواقع أخرى أقدم تاريخا يمكن نسبتها إلى العصر الحجري الوسيط قرب هذا الموقع، ويعد وجود تماثيل كبيرة الحجم للخيل في هذا الموقع مقترنة بمواد أثرية من العصر الحجري الحديث يعود تاريخها إلى 9000 سنة قبل الوقت الحاضر، اكتشافا أثريا مهما على المستوى العالمي، حيث إن آخر الدراسات حول استئناس الخيل تشير إلى حدوث هذا الاستئناس لأول مرة في أواسط آسيا (كازاخستان) منذ 5500 سنة قبل الوقت الحاضر. وهذا الاكتشاف يؤكد أن استئناس الخيل على الأراضي السعودية في قلب الجزيرة العربية قبل هذا التاريخ بزمن طويل. كما أشار إلى صناعة التماثيل من نوع الصخر المتوفر بالموقع، والذي يُرى في أماكن عدّة بالمكان في الوقت الحاضر، ويبدو أن هذه التماثيل كانت مثبتة في بناء يتوسط الموقع على الضفة الجنوبية للنهر قبل مصبّه في الشلال. وتابع: ربما كان لهذا البناء دور رئيس في الحياة الاجتماعية لسكان الموقع. ويوجد بالموقع حصن كبيرالحجم مبني بالحجارة فوق تكوين جبلي يشرف على الموقع من جهة الشرق، وعلى الأراضي المنخفضة التي يصب فيها الشلال من جهة الغرب، وتوجد بداخل هذا الحصن حجرات مربعة ووحدات بنائية متعددة. بالإضافة إلى الأدوات الحجرية ورؤوس السهام، عثر بالموقع على مساحن لسحق الحبوب، ونجر حجري، وثقالات تستخدم في أنوال النسيج، وبكرات للغزل والنسيج، وجزء من إناء حجر صابوني يحمل زخرفة هندسية بالحز، وأدوات حجرية لمعالجة الجلود، وتؤكد هذه الأدوات وجود معرفة ومهارة حرفية متقدمة جدا لدى سكان هذا الموقع. وأوضح الغبان أنه توجد على الصخور المجاورة للموقع رسوم صخرية من فترة سكنى الموقع، رسمت فيها بالحز صور وعول ونعام وحيوانات أخرى، وأشكال آدمية، كما تعرض إحداها صورة فارس على صهوة جواد، وأخرى لصيد الوعول بالكلاب السلوقية، حيث تحيط 5 من الكلاب بوعل في شكل دائرة. وهذه الرسوم الصخرية اكتسبت طبقة عتق داكنة جدا وقريبة من اللون الأسود لتقدم تاريخها، مما يؤكد أنها نفذت خلال فترة استخدام الموقع، كما وجدت رسوم صخرية أخرى لخيول وأشكال آدمية على ألواح حجرية بين أنقاض المبنى الرئيس الذي يتوسط الموقع. وأبان أن المواد الأثرية التي جمعت من سطح الموقع يزيد عددها على الثمانين قطعة، وهي تشير إلى حضارة إنسانية متقدمة جدا من فترة العصر الحجري الحديث شهدتها هذه المنطقة قبل تسعة آلاف سنة، وأن هذه الحضارة تعد ثورة حقيقة في معرفة الإنسان ومدنيته وتطور مهاراته الحرفية. وكاستنتاج أولي، يتوقع انتشار هذه الحضارة التي أطلقنا عليها مسمى حضارة المقر نسبة إلى اسم المكان التي وجدت فيه نتوقع انتشارها داخل وخارج الجزيرة العربية وهو أمر سوف تكشف عنه الدراسات والأعمال الميدانية المستقبلية، والدراسات المقارنة مع المواقع الأخرى داخل الجزيرة العربية وخارجها. وأضاف الغبان أنه يجري العمل على تشكيل فريق علمي يشترك فيه عدد من الباحثين الدوليين للبحث والتنقيب في هذا الموقع، والكشف عن مزيد من أسرار هذه الحضارة.