تسعى الحكومة المصرية جاهدة لاستعادة السيطرة على شعبها الغاضب فدعت معارضيها الاسلاميين الى حوار سياسي بينما اشتبك المحتجون المطالبون باسقاط حسني مبارك مع أنصاره في الشوارع. وشهد وسط العاصمة المصرية القاهرة يوم الخميس اشتباكات دامية بعد أن واجه مسلحون مؤيدون للحكومة محتجين مطالبين بالديمقراطية واسقاط مبارك وهو ما دفع البيت الابيض مرة أخرى الى الدعوة لاجراء مفاوضات. وفي خطوة رامية لتهدئة المخاوف قال نائب الرئيس المصري عمر سليمان يوم الخميس ان جماعة الاخوان المسلمين دعيت للاجتماع مع الحكومة الجديدة في اطار الحوار الوطني مع كل الاحزاب. وقبل اندلاع الاحتجاجات في 25 يناير كانون الثاني كان الحديث عن عرض للحوار مع الاخوان مستبعدا تماما. وهذا يشير الى أن حركة الاصلاح حققت تقدما كبيرا. ولكن بعد أن تنشقوا رائحة النصر رفض الاخوان المفاوضات قبل رحيل مبارك. وجاءت هذه الخطوة بعدما اعتذر رئيس الوزراء أحمد شفيق عن أعمال العنف وانهيار القانون والنظام. وقال انه لا يعلم الجهة المسؤولة عن إراقة الدماء التي قال المحتجون انها وقعت على ايدي أفراد من الامن بالزي المدني. وأضاف شفيق "بحكم اننا دولة مسؤولة عن مواطنيها كان علي ان اعتذر. يجب ان اعد بان هذا لن يتكرر." ولكن بينما كان الطبيب محمد الصمدي يعالج المصابين بجروح بالغة في ميدان التحرير قال بنبرة غاضبة "يسمحون للعصابات المسلحة بالمجيء ومهاجمتنا. نرفض الرحيل." وقال معبرا عن رأي المحتجين المرابطين في ميدان التحرير "لا يمكننا أن ندع مبارك يبقى ثمانية شهور." وقال أطباء في الميدان ان عشرة أشخاص على الاقل قتلوا وأصيب 800 اخرون بعد أن قام أنصار لمبارك يحملون العصي وأسلحة نارية بمهاجمة المحتجين الموجودين في الشوارع منذ عشرة ايام مطالبين برحيل مبارك الذي يحكم البلاد منذ 30 عاما. وقالت مفوضة الاممالمتحدة السامية لحقوق الانسان نافي بيلاي ان ما يصل الى 300 شخص ربما يكونون قد قتلوا في الانتفاضة الدامية في مصر. وقرب المتحف المصري الذي يحوي كنوز حضارة عمرها سبعة الاف عام في اكبر الدول العربية سكانا أخذ رجال غاضبون يكرون ويفرون وهم يحملون الحجارة والعصي بينما كانت دبابات الجيش الامريكية الصنع تحاول بين الحين والاخر الفصل بين الجانبين. وبعيدا عن كاميرات وسائل الاعلام العالمية المركزة على ميدان التحرير تدور معركة سياسية شرسة لها أثر واسع النطاق على التنافس بين الغرب والاسلاميين على النفوذ في الشرق الاوسط وعلى امداداته النفطية. وانضم الاوروبيون الى الولاياتالمتحدة في الضغط على مبارك كي يبدأ تسليم السلطة. وتمسكت الحكومة الجديدة التي شكلها مبارك ولم تنجح في تهدئة الاحتجاجات بتعهد الرئيس يوم الثلاثاء بعدم ترشيح نفسه في الانتخابات القادمة في سبتمبر ايلول. ويواصل مبارك تصوير نفسه على انه حصن ضد الفوضى او استيلاء اسلاميين متشددين على السلطة. وحصلت المعارضة على تأييد متزايد من الغرب حليف مبارك القديم للاسراع بتسليم السلطة. وقال زعماء فرنسا والمانيا وبريطانيا وايطاليا واسبانيا في بيان مشترك "عملية انتقال السلطة يجب ان تبدأ الان." كما شارك بان جي مون الامين العام للامم المتحدة في هذه الدعوات التي تكرر كلها الرسالة التي قال الرئيس الامريكي باراك أوباما انه نقلها الى الرئيس المصري في حديث هاتفي يوم الثلاثاء. كما أدان مسؤولون أمريكيون ما سموه "حملة منظمة لترهيب" الصحفيين بعد أن تعرض كثير منهم للهجوم على ايدي موالين للحكومة. وقال زعماء معارضون من بينهم المعارض الليبرالي محمد البرادعي وجماعة الاخوان المسلمين انه لابد من ذهاب مبارك قبل اي حوار. ودعا المحتجون في ميدان التحرير الذين وصل عددهم بعد ظهر الخميس الى نحو عشرة الاف الى مظاهرات حاشدة الجمعة. وشكل كثير منهم سلاسل بشرية أغلقت ميدان التحرير. وهذا صراع للقوى للجيش فيه دور حاسم حيث تسعى قيادته للحفاظ على نفوذ المؤسسة العسكرية في ظل رفض شعبي هائل للنظام القديم الذي نظر اليه على نطاق واسع على انه يتسم بالوحشية والفساد واهدار الموارد. ويبدو أن الحكومة التي رفضت افتراض القوى الاجنبية أنها نظمت الهجمات على المحتجين تعول على الفوز بتعاطف المصريين الذين يعانون في حياتهم اليومية نتيجة لاختلال الاوضاع الاقتصادية. وقالت أميرة حسن (55 عاما) وهي معلمة في القاهرة "لا أريد الا عودة الامن الى الشوارع حتى يمكنني أن أمضي في حياتي. لا فرق عندي ان بقي مبارك أو رحل." وتبنى سليمان الذي يعتبر مرشحا محتملا لخلافة مبارك موضوع المصالحة ووعد بالافراج عن المحتجين المعتقلين ومعاقبة الذين دبروا العنف. وأكد أن جمال ابن الرئيس مبارك لن يترشح لخلافة والده. ولو قيل هذا قبل عشرة أيام لكان خبرا مثيرا أما اليوم فلم يثر دهشة أحد. ولم يجد ذلك آذانا صاغية عند المحتجين في ميدان التحرير الذي يحتله الان شبان منهم علمانيون وخريجو جامعات من الطبقة المتوسطة ونشطاء اسلاميون ينتمون للاخوان. واستلهم هؤلاء موقفهم من مثال تونس حيث اضطر الرجل القوي زين العابدين بن علي للفرار الشهر الماضي. ولكن كثيرا من المصريين الاخرين لديهم احترام أكبر لمبارك ويبدون مستعدين لتركه يخرج خروجا مشرفا بعد انتهاء مدته. واعتبر المطالبون بتغيير دستوري وانتخابات حرة العنف الذي وقع الاربعاء على أيدي رجال يفترضون انهم من أفراد الشرطة السرية والموالين للحزب الحاكم علامة على يأس رئيس لا يمكنه الاعتماد على جيشه. وقال حسن نافعة استاذ العلوم السياسية والشخصية المعارضة البارزة انها خطوة "غبية يائسة" وقال ان "هذا لن يوقف الاحتجاجات" لان هذه ليست "ثورة ميدان التحرير" بل هي انتفاضة عامة. وعلى الرغم من ان عدد المحتجين كان اقل مقارنة بايام سابقة هذا الاسبوع فقد كانت هناك مظاهرات في السويس والاسماعيلية وهما مدينتان صناعيتان أجج فيهما التضخم والبطالة نفس حالة السخط التي سادت في تونس. وكانت هناك احتجاجات أيضا في الاسكندرية. ويرى محللون ان الجيش يسعى للحفاظ على موقعه في وسط المجتمع المصري وأنه يرتب لاطاحة ناعمة بمبارك القائد السابق للقوات الجوية. ووصف الجيش يوم الاثنين مطالب المتظاهرين بأنها مشروعة وتعهد بألا يستخدم القوة ضدهم. لكنه لم يتدخل عندما هاجم انصار مبارك المحتجين في ميدان التحرير يوم الاربعاء على ظهور الخيل والجمال وانطلقوا يضربون المدنيين. وبعد حلول الظلام كان عدة متظاهرين قد قتلوا. ولم يقم الجنود الا صباح الخميس منطقة عازلة حول الميدان كحاجز بين الجانبين. ولكن هذا لم يمنع التراشق بالحجارة. ويعتقد الكثيرون أن جهود مبارك للتشبث بالحكم ربما تخلق توترات داخل الجيش الذي قد يسعى لتقصير أمد المواجهة. ومصر أول دولة عربية تعقد معاهدة سلام مع اسرائيل. ويقول رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ان الثورة في القاهرة قد تأتي بحكم ديني على النمط الايراني. وارتفعت أسعار النفط خوفا من انتقال التوتر الى دول أخرى في المنطقة من بينها السعودية أو التدخل في سير امدادات النفط من البحر الاحمر الى البحر المتوسط عبر قناة السويس.